للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من توفي فيها من الأعيان والمشاهير]

أسد بن عمرو بن عامر أبو المنذر البجلي الكوفي صاحب أبي حنيفة، حكم ببغداد وبواسط، فلما انكف بصره عزل نفسه عن القضاء. قال أحمد بن حنبل: كان صدوقا. ووثقه ابن معين، وتكلم فيه علي بن المديني والبخاري. وسعدون المجنون صام ستين سنة فخف دماغه فسماه الناس مجنونا، وقف يوما على حلقة ذي النون المصري فسمع كلامه فصرخ ثم أنشأ يقول:

ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى … ولا بد من شكوى إذا لم يكن صبر

وقال الأصمعي: مررت به وهو جالس عند رأس شيخ سكران يذب عنه، فقلت له: ما لي أراك عند رأس هذا الشيخ؟ فقال: إنه مجنون. فقلت: أنت مجنون أو هو؟ قال: لا بل هو، لأني صليت الظهر والعصر في جماعة وهو لم يصلّ جماعة ولا فرادى. وهو مع هذا قد شرب الخمر وأنا لم أشربها. قلت: فهل قلت في هذا شيئا؟ قال: نعم، ثم أنشأ يقول:

تركت النبيذ لأهل النبيذ … وأصبحت أشرب ماء قراحا

لأن النبيذ يذل العزيز … ويكسو السواد الوجوه الصباحا

فإن كان ذا جائزا للشباب … فما العذر منه إذا الشيب لاحا

قال الأصمعي: فقلت له: صدقت، أنت العاقل وهو المجنون.

وعبيدة بن حميد بن صهيب، أبو عبد الرحمن التميمي الكوفي، مؤدب الأمين. روى عن الأعمش وغيره، وعنه أحمد بن حنبل. وكان يثني عليه. وفيها توفي:

[يحيى بن خالد بن برمك]

أبو علي الوزير والد جعفر البرمكي، ضم إليه المهدي ولده الرشيد فرباه، وأرضعته امرأته مع الفضل بن يحيى، فلما ولي الرشيد عرف له حقه، وكان يقول: قال أبي، قال أبي. وفوض إليه أمور الخلافة وأزمتها، ولم يزل كذلك حتى نكبت البرامكة فقتل جعفر وخلد أباه يحيى في الحبس حتى مات في هذه السنة. وكان كريما فصيحا، ذا رأي سديد، يظهر من أموره خير وصلاح. قال يوما لولده:

خذوا من كل شيء طرفا، فإن من جهل شيئا عاداه. وقال لأولاده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون. وكان يقول لهم: إذا أقبلت الدنيا فأنفقوا منها فإنّها لا تبقى، وإذا أدبرت فأنفقوا منها فإنّها لا تبقى، وكان إذا سأله سائل في الطريق وهو راكب أقل ما يأمر له بمائتي درهم فقال رجل يوما:

يا سمي الحصور (١) يحيى … أتيحت لك من فضل ربنا جنتان

كل من مرّ في الطريق عليكم … فله من نوالكم مائتان

مائتا درهم لمثلي قليل … هي (٢) للفارس العجلان

فقال: صدقت. وأمر فسبق به إلى الدار، فلما رجع سأل عنه فإذا هو قد تزوج وهو يريد أن يدخل على أهله فأعطاه صداقها أربعة آلاف، وعن دار أربعة آلاف، وعن الأمتعة أربعة آلاف.

وكلفة الدخول أربعة آلاف، وأربعة آلاف يستظهر بها. وجاء رجل يوما فسأله شيئا فقال: ويحك لقد جئتني في وقت لا أملك فيه مالا، وقد بعث إليّ صاحب لي يطلب مني أن يهدي إليّ ما أحب، وقد بلغني أنك تريد أن تبيع جارية لك، وأنك قد أعطيت فيها ثلاثة آلاف دينار، وإني سأطلبها فلا تبعها منه بأقل من ثلاثين ألف دينار. فجاءوني فبلغوا معي بالمساومة إلى عشرين ألف دينار، فلما سمعتها ضعف قلبي عن ردها، وأجبت إلى بيعها، فأخذها وأخذت العشرين ألف دينار. فأهداها إلى يحيى، فلما اجتمعت بيحيى قال: بكم بعتها؟ قلت: بعشرين ألف دينار. قال: إنك لخسيس خذ جاريتك إليك وقد بعث إلى صاحب فارس يطلب مني أن أستهديه شيئا، وإني سأطلبها منه فلا تبعها بأقل من خمسين ألف دينار. فجاءوني فوصلوا في ثمنها إلى ثلاثين ألف دينار، فبعتها منهم. فلما جئته لامني أيضا


(١) الحصور: الّذي لم يتزوّج، ويحيى المشار إليه هنا هو يحيى بن زكريا.
(٢) في وفيات الأعيان ٦/ ٢٢٣: هي منكم للقابس.

<<  <  ج: ص:  >  >>