خازنه أنه إذا جاءك كتابي فان رأيته مختوما بنصف الفص فامض لما فيه، فانى إنما أختم بنصف فصه على كتبي، وإذا جاءك الكتاب مختوما عليه بكماله فلا تقبل ولا تمض ما فيه. فامتنع عند ذلك خازنه أن يقبل ما بعث به المنصور، فأرسل المنصور بعد ذلك إليه من أخذ جميع ذلك وقتل ذلك الرجل الخازن، وكتب المنصور إلى أبى داود إبراهيم بن خالد بإمرة خراسان كما وعده قبل ذلك عوضا عن أبى مسلم.
وفي هذه السنة خرج سنباذ يطلب بدم أبى مسلم، وقد كان سنباذ هذا مجوسيا تغلب على قومس وأصبهان، ويسمى بفيروز اصبهبذ، فبعث إليه أبو جعفر المنصور جيشا هم عشرة آلاف فارس عليهم جهور بن مرار العجليّ - فالتقوا بين همذان والري بالمفازة، فهزم جهور لسنباذ وقتل من أصحابه ستين الفا وسبى ذراريهم، ونساءهم، وقتل سنباذ بعد ذلك فكانت أيامه سبعين يوما.
وأخذ ما كان استحوذ عليه من أموال أبى مسلم التي كانت بالري. وخرج في هذه السنة أيضا رجل يقال له ملبّد [بن حرملة الشيباني] في ألف من الخوارج بالجزيرة فجهز إليه المنصور جيوشا متعددة كثيفة كلها تنفر منه وتنكسر ثم قاتله حميد بن قحطبة نائب الجزيرة، فهزمه ملبد وتحصن منه حميد في بعض الحصون ثم صالحه حميد بن قحطبة على مائة ألف فدفعها إليه وقبلها ملبد وتقلع عنه.
وحج بالناس في هذه السنة عم الخليفة إسماعيل بن على بن عبد الله بن عباس قاله الواقدي.
وكان نائب الموصل - يعنى عم المنصور - وعلى نيابة الكوفة عيسى بن موسى، وعلى البصرة سليمان ابن على، وعلى الجزيرة حميد بن قحطبة، وعلى مصر صالح بن على، وعلى خراسان أبو داود إبراهيم ابن خالد، وعلى الحجاز زياد بن عبد الله. ولم يكن للناس في هذه السنة صائفة لشغل الخليفة بسناباذ وغيره. ومن مشاهير من توفى فيها أبو مسلم الخراساني كما تقدم، ويزيد بن أبى زياد أحد من تكلم فيه كما ذكرناه في التكميل، والله سبحانه أعلم.
[ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائة]
فيها دخلت قسطنطين ملك الروم ملطية عنوة فهدم سورها وعفا عمن قدر عليه من مقاتلتها.
وفيها غزا الصائفة صالح بن على نائب مصر، فبنى ما كان هدم ملك الروم من سور ملطية، وأطلق لأخيه عيسى بن على أربعين ألف دينار، وكذلك أعطى لابن أخيه العباس بن محمد بن على أربعين ألف دينار. وفيها بايع عبد الله بن على الّذي كسره أبو مسلم وانهزم إلى البصرة واستجار بأخيه سليمان بن على، حتى بايع للخليفة في هذه السنة ورجع إلى طاعته. ولكن حبس في سجن بغداد كما سيأتي. وفيها خلع جمهور بن مرار العجليّ الخليفة المنصور بعد ما كسر سنباذ واستحوذ على حواصله وعلى أموال أبى مسلم، فقويت نفسه بذلك وظن أنه لا يقدر عليه بعد. فأرسل إليه