للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بخيلا جدا، توفى بأرجان في جمادى الآخرة منها عن ثنتين وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وكان مرضه بالصرع، ودفن بالمشهد إلى جانب أبيه.

[قابوس بن وشمكير]

كان أهل دولته قد تغيروا عليه فبايعوا ابنه منوجهر وقتلوه كما ذكرنا، وكان قد نظر في النجوم فرأى أن ولده يقتله، وكان يتوهم أنه ولده دارا، لما يرى من مخالفته له، ولا يخطر بباله منوجهر لما يرى من طاعته له، فكان هلاكه على يد منوجهر، وقد قدمنا شيئا من شعره في الحوادث.

[القاضي أبو بكر الباقلاني]

محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني، رأس المتكلمين على مذهب الشافعيّ، وهو من أكثر الناس كلاما وتصنيفا في الكلام، يقال إنه كان لا ينام كل ليلة حتى يكتب عشرين ورقة من مدة طويلة من عمره، فانتشرت عنه تصانيف كثيرة، منها التبصرة، ودقائق الحقائق، والتمهيد في أصول الفقه، وشرح الابانة، وغير ذلك من المجاميع الكبار والصغار، ومن أحسنها كتابه في الرد على الباطنية، الّذي سماه كشف الأسرار وهتك الأستار، وقد اختلفوا في مذهبه في الفروع: فقيل شافعيّ وقيل مالكي، حكى ذلك عنه أبو ذر الهروي، وقيل إنه كان يكتب على الفتاوى: كتبه محمد بن الطيب الحنبلي، وهذا غريب جدا، وقد كان في غاية الذكاء والفطنة، ذكر الخطيب وغيره عنه أن عضد الدولة بعثه في رسالة إلى ملك الروم، فلما انتهى إليه إذ هو لا يدخل عليه أحد إلا من باب قصير كهيئة الراكع، ففهم الباقلاني أن مراده أن ينحنى الداخل عليه له كهيئة الراكع لله ﷿، فدار استه إلى الملك ودخل الباب بظهره يمشى إليه القهقرى، فلما وصل إليه انفتل فسلم عليه، فعرف الملك ذكاءه ومكانه من العلم والفهم، فعظمه. ويقال إن الملك أحضر بين يديه آلة الطرب المسماة بالأرغل، ليستفز عقله بها، فلما سمعها الباقلاني خاف على نفسه أن يظهر منه حركة ناقصة بحضرة الملك، فجعل لا يألو جهدا أن جرح رجله حتى خرج منها الدم الكثير، فاشتغل بالألم عن الطرب، ولم يظهر عليه شيء من النقص والخفة، فعجب الملك من ذلك، ثم إن الملك استكشف الأمر فإذا هو قد جرح نفسه بما أشغله عن الطرب، فتحقق الملك وفور همته وعلو عزيمته، فأن هذه الآلة لا يسمعها أحد إلا طرب شاء أم أبى. وقد سأله بعض الأساقفة بحضرة ملكهم فقال: ما فعلت زوجة نبيكم؟ وما كان من أمرها بما رميت به من الافك؟ فقال الباقلاني مجيبا له على البديهة: هما امرأتان ذكرنا بسوء: مريم وعائشة، فبرأهما الله ﷿، وكانت عائشة ذات زوج ولم تأت بولد، وأتت مريم بولد ولم يكن لها زوج - يعنى أن عائشة أولى بالبراءة من مريم - وكلاهما بريئة مما قيل فيها، فان تطرق في الذهن الفاسد احتمال ريبة إلى هذه فهو إلى تلك أسرع، وهما بحمد الله منزهتان مبرأتان من السماء بوحي الله ﷿، .

<<  <  ج: ص:  >  >>