للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، رَبْعَةٌ لَا تَشْنَؤُهُ عَيْنٌ مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مَنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدًّا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنَّدٌ فَقَالَ بَعْلَهَا: هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُ، وَلَوْ صَادَفْتُهُ لَالْتَمَسْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَجْهَدَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا قَالَ:

وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُهُ وَهُوَ يَقُولُ:

جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ

هُمَا نَزَلَا بِالْبِرِّ وَارْتَحَلَا بِهِ ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ

فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ من فعال لا تجازى وسؤدد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فانكمو إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ

دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... لَهُ بِصَرِيحٍ ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ

فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ ... يَدُرُّ لَهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ

وَقَدْ قَدَّمْنَا جَوَابَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ لِهَذَا الشِّعْرِ الْمُبَارَكِ بِمِثْلِهِ فِي الْحُسْنِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيِّ قال: ثنا الحسن بن الصباح عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَلْفَاظِهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّ أُمَّ مَعْبَدٍ هَاجَرَتْ وَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ إِنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ أَتْبَعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِذِكْرِ غَرِيبِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَوَاشِي فِيمَا سَبَقَ وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا نُكَتًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَوْلُهَا: ظَاهِرَ الْوَضَّاءَةِ، أَيْ ظَاهِرَ الْجَمَالِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، أَيْ مَشْرِقَ الْوَجْهِ مُضِيئَهُ لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ كِبَرُ الْبَطْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ كِبَرُ الرأس، ورد أبو عبيدة رِوَايَةَ مَنْ رَوَى لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ يَعْنِي مِنَ النُّحُولِ وَهُوَ الضَّعْفُ. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ الْحَدِيثَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ كِبَرُ الرَّأْسِ لَكَانَ قَوِيًّا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهَا بَعْدَهُ: وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ وَهُوَ صِغَرُ الرَّأْسِ بِلَا خِلَافٍ وَمِنْهُ يُقَالُ لِوَلَدِ النَّعَامَةِ: صَعْلٌ، لِصِغَرِ رَأْسِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: الظَّلِيمُ، وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ فَرَوَاهُ لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ يَعْنِي مِنَ الضَّعْفِ كَمَا فَسَّرَهُ، ولم تزر به صعلة وهو الحاصرة [١] ، يريد أنه ضرب من الرجال ليس بمشفح [١] وَلَا نَاحِلٍ، قَالَ: وَيُرْوَى لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ وَهُوَ كِبَرُ الْبَطْنِ وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ وَهُوَ صِغَرُ الرَّأْسِ، وَأَمَّا الْوَسِيمُ فَهُوَ حَسَنُ الْخَلْقِ وَكَذَلِكَ الْقَسِيمُ أَيْضًا، وَالدَّعَجُ شِدَّةُ سَوَادِ الْحَدَقَةِ، وَالْوَطَفُ طُولُ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ، وَرَوَاهُ الْقُتَيْبِيُّ فِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ وَتَبِعَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي ذَلِكَ. قال: ابن قتيبة ولا أعرف


[١] كذا في النسختين الحلبية والمصرية: وفي التيمورية قال: وهو الخاصرة ويريد أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ لَيْسَ بِمُنْتَفِخٍ وَلَا ناحل.

<<  <  ج: ص:  >  >>