للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حزم هذا بها في سلخ رمضان، سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، فقرأ القرآن واشتغل بالعلوم النافعة الشرعية، وبرز فيها وفاق أهل زمانه، وصنف الكتب المشهورة، يقال إنه صنف أربعمائة مجلد في قريب من ثمانين ألف ورقة، وكان أديبا طبيبا شاعرا فصيحا، له في الطب والمنطق كتب، وكان من بيت وزارة ورياسة، ووجاهة ومال وثروة، وكان مصاحبا للشيخ أبى عمر بن عبد البر النمري، وكان مناوئا للشيخ أبى الوليد سليمان بن خلف الباجي، وقد جرت بينهما مناظرات يطول ذكرها.

وكان ابن حزم كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه، فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه، وما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده، حتى كانت وفاته في قرية له في شعبان من هذه السنة وقد جاوز التسعين. والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع، لا يقول: بشيء من القياس لا الجلي ولا غيره، وهذا الّذي وضعه عند العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرا في نظره وتصرفه وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول، وآيات الصفات وأحاديث الصفات، لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي، ذكره ابن ماكولا وابن خلكان، ففسد بذلك حاله في باب الصفات.

[عبد الواحد بن على بن برهان]

أبو القاسم النحويّ، كان شرس الأخلاق جدا، لم يلبس سراويل قط ولا غطى رأسه ولم يقبل عطاء لأحد، وذكر عنه أنه كان يقبّل المردان من غير ريبة. قال ابن عقيل: وكان على مذهب مرجئة المعتزلة وينفى خلود الكفار في النار، ويقول: دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي لا وجه له، مع ما وصف الله به نفسه من الرحمة، ويتأول قوله تعالى ﴿خالِدِينَ فِيها أَبَداً﴾ أي أبدا من الآباد. قال ابن الجوزي: وقد كان ابن برهان يقدح في أصحاب أحمد ويخالف اعتقاد المسلمين لأنه قد خالف الإجماع، ثم ذكر كلامه في هذا وغيره والله أعلم.

[ثم دخلت سنة سبع وخمسين وأربعمائة]

فيها سار جماعة من العراق إلى الحج بخفارة، فلم يمكنهم المسير فعدلوا إلى الكوفة ورجعوا.

وفي ذي الحجة منها شرع في بناء المدرسة النظامية، ونقض لأجلها دور كثيرة من مشرعة الزوايا، وباب البصرة. وفيها كانت حروب كثيرة بين تميم بن العزيز وباديس، وأولاد حماد، والعرب والمغاربة بصنهاجة وزناتة. وحج بالناس من بغداد النقيب أبو الغنائم.

وفيها كان مقتل عميد الملك الكندري، وهو منصور بن محمد أبو نصر الكندري، وزير طغرلبك، وكان مسجونا سنة تامة، ولما قتل حمل فدفن عند أبيه بقرية كندرة، من عمل طريثيث، وليست بكندرة التي هي بالقرب من قزوين. واستحوذ السلطان على أمواله وحواصله، وقد كان

<<  <  ج: ص:  >  >>