شيء أحسن منه ولا أبهى منظرا، إِلَى أَنِ احْتَرَقَ فَبَقِيَ خَرَابًا مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ شَرَعَ الْمُلُوكُ فِي تَجْدِيدِهِ وَتَرْمِيمِهِ، حَتَّى بُلِّطَ فِي زَمَنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أيوب، ولم يزالوا فِي تَحْسِينِ مَعَالِمِهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، فَتَمَاثَلَ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ كَلَا شَيْءٍ، وَلَا زَالَ التَّحْسِينُ فِيهِ إِلَى أَيَّامِ الْأَمِيرِ سيف الدين بتكنز بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّاصِرِيِّ، فِي حُدُودِ سَنَةِ ثلاث وَسَبْعِمِائَةٍ، وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ.
وَفِيهَا رخصت الأسعار ببغداد رخصا كثيرا، ونقصت دجلة نقصا بينا. وَفِيهَا أَخَذَ الْمَلِكُ أَلْبُ أَرْسَلَانَ الْعَهْدَ بِالْمُلْكِ من بعده لولده ملك شاه، ومشى بين يديه بالغاشية والأمراء يمشون بين يديه، وكان يوما مشهودا. وحج بالناس فيها نُورُ الْهُدَى أَبُو طَالِبٍ الْحُسَيْنُ بْنُ نِظَامِ الحضرتين الزينبي وجاور بمكة.
[وفيها توفى من الأعيان.]
[الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي]
أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله بن موسى أبو بكر البيهقي، له التصانيف التي سارت بها الركبان إلى سائر الأمصار، ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وكان أوحد أهل زَمَانِهِ فِي الْإِتْقَانِ وَالْحِفْظِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصْنِيفِ، كَانَ فَقِيهًا مُحَدِّثًا أُصُولِيًّا، أَخَذَ الْعِلْمَ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ، وَسَمِعَ عَلَى غَيْرِهِ شيئا كثيرا، وجمع أشياء كثيرة نافعة، لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا، وَلَا يُدْرَكُ فِيهَا، منها كِتَابُ السُّنَنِ الْكَبِيرِ، وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ كُلٌّ فِي عشر مجلدات، والسنن الصغير، وَالْآثَارِ، وَالْمَدْخَلِ، وَالْآدَابِ وَشُعَبِ الْإِيمَانِ، وَالْخِلَافِيَّاتِ، وَدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ الْمُفِيدَةِ، الَّتِي لَا تُسَامَى وَلَا تُدَانَى، وَكَانَ زَاهِدًا مُتَقَلِّلًا مِنَ الدُّنْيَا، كَثِيرَ العبادة والورع، توفى بِنَيْسَابُورَ، وَنُقِلَ تَابُوتُهُ إِلَى بَيْهَقَ فِي جُمَادَى الأولى منها.
[الحسن بن غالب]
ابن عَلِيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ صُعْلُوكٍ، أبو على التميمي، ويعرف بابن المبارك المقري، صحب ابن سمعون، وقرأ الْقُرْآنَ عَلَى حُرُوفٍ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، وَجُرِّبَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ، إِمَّا عَمْدًا وَإِمَّا خَطَأً، وَاتُّهِمَ فِي رواية كثيرة، وكان أبو بكر الْقَزْوِينِيُّ مِمَّنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَكُتِبَ عَلَيْهِ مَحْضَرٌ بِعَدَمِ الْإِقْرَاءِ بِالْحُرُوفِ الْمُنْكَرَةِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ السمرقندي كان كذابا، توفى فيها عن ثنتين وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ أَبِي الْفَتْحِ نصر بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ الْمَرْوَزِيِّ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَاشْتُهِرَ بِهِ، وَرَحَلَ فِي طَلَبِهِ.
الْقَاضِي أبو يعلى بن الفرا الحنبلي
محمد بن الحسن بن محمد بن خلف بن أحمد الفرا الْقَاضِي، أَبُو يَعْلَى شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ، وَمُمَهِّدُ مَذْهَبِهِمْ فِي الْفُرُوعِ، وُلِدَ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَحَدَّثَ عَنِ ابْنِ حبابة. قال