للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بشر بن مروان]

الأموي أخو عبد الملك بن مروان، ولى إمرة العراقين لأخيه عبد الملك، وله دار بدمشق عند عقبة اللباب، وكان سمحا جوادا، وإليه ينسب دير مروان عند حجير، وهو الّذي قتل خالد بن حصين الكلابي يوم مرج راهط، وكان لا يغلق دونه الأبواب ويقول: إنما يحتجب النساء، وكان طليق الوجه، وكان يجيز على الشعر بألوف، وقد امتدحه الفرزدق والأخطل، والجهمية تستدل على الاستواء على العرش بأنه الاستيلاء ببيت الأخطل.

قد استوى بشر على العراق … من غير سيف ودم مهراق

وليس فيه دليل، فان هذا استدلال باطل من وجوه كثيرة، وقد كان الأخطل نصرانيا، وكان سبب موت بشر أنه وقعت القرحة في عينه فقيل له يقطعها من المفصل فجزع فما أحس حتى خالطت الكتف، ثم أصبح وقد خالطت الجوف ثم مات، ولما احتضر جعل يبكى ويقول: والله لوددت أنى كنت عبدا أرعى الغنم في البادية لبعض الأعراب ولم أل ما وليت، فذكر قوله لأبي حازم - أو لسعيد بن المسيب -، فقال: الحمد لله الّذي جعلهم عند الموت يفرون إلينا ولم يجعلنا نفر إليهم، إنا لنرى فيهم عبرا، وقال الحسن: دخلت عليه فإذا هو يتململ على سريره ثم نزل عنه إلى صحن الدار، والأطباء حوله. مات بالبصرة في هذه السنة وهو أول أمير مات بها، ولما بلغ عبد الملك موته حزن عليه وأمر الشعراء أن يرثوه والله أعلم.

[ثم دخلت سنة خمس وسبعين]

ففيها غزا محمد بن مروان - أخو عبد الملك بن مروان وهو والد مروان الحمار - صائفة الروم حين خرجوا من عند مرعش، وفيها ولى عبد الملك نيابة المدينة ليحيى بن أبى العاص، وهو عمه، وعزل عنها الحجاج. وفيها ولى عبد الملك الحجاج بن يوسف نيابة العراق والبصرة والكوفة وما يتبع ذلك من الأقاليم الكبار، وذلك بعد موت أخيه بشر، فرأى عبد الملك أنه لا يسد عنه أهل العراق غير الحجاج لسطوته وقهره وقسوته وشهامته، فكتب إليه وهو بالمدينة ولاية العراق، فسار من المدينة إلى العراق في اثنى عشر راكبا، فدخل الكوفة على حين غفلة من أهلها وكان تحتهم النجائب، فنزل قريب الكوفة فاغتسل واختضب ولبس ثيابه وتقلد سيفه وألقى عذبة العمامة بين كتفيه، ثم سار فنزل دار الامارة، وذلك يوم الجمعة وقد أذن المؤذن الأول لصلاة الجمعة، فخرج عليهم وهم لا يعلمون، فصعد المنبر وجلس عليه وأمسك عن الكلام طويلا، وقد شخصوا إليه بأبصارهم وجثوا على الركب وتناولوا الحصى ليحذفوه بها، وقد كانوا حصبوا الّذي كان قبله، فلما سكت أبهتهم وأحبوا أن يسمعوا كلامه، فكان أول ما تكلم به أن قال: يا أهل العراق يا أهل الشقاق

<<  <  ج: ص:  >  >>