للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمسند والسنن، وصحيح ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَأَلَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّهَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ خِلَالًا ثَلَاثًا، حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي أَحَدٌ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.

ثم ذكر تمام الخطبتين، ثم دعا للخليفة الناصر العباسي، ثم دعا للسلطان الناصر صلاح الدين. وَبَعْدَ الصَّلَاةِ جَلَسَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الحسن بن على نَجَا الْمِصْرِيُّ عَلَى كُرْسِيِّ الْوَعْظِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، فوعظ الناس، واستمر القاضي ابن الزَّكِيِّ يَخْطُبُ بِالنَّاسِ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ أَرْبَعَ جُمُعَاتٍ، ثُمَّ قَرَّرَ السُّلْطَانُ لِلْقُدْسِ خَطِيبًا مُسْتَقِرًّا، وَأَرْسَلَ إِلَى حَلَبَ فَاسْتَحْضَرَ الْمِنْبَرَ الَّذِي كَانَ الملك العادل نور الدين الشهيد قَدِ اسْتَعْمَلَهُ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَدْ كَانَ يُؤَمِّلُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُهُ عَلَى يَدَيْهِ، فَمَا كَانَ إلا على يدي بعض أتباعه صلاح الدين بعد وفاته

[نكتة غريبة]

قال أَبُو شَامَةَ فِي الرَّوْضَتَيْنِ: وَقَدْ تَكَلَّمَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّخَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ أَبِي الْحَكَمِ الْأَنْدَلُسِيِّ- يَعْنِي ابْنَ بَرَّجَانَ- فِي أَوَّلِ سُورَةِ الرُّومِ إِخْبَارٌ عَنْ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ أَيْدِي النَّصَارَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. قَالَ السَّخَاوِيُّ:

وَلَمْ أَرَهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْحُرُوفِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ فِيمَا زعم مِنْ قَوْلِهِ (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) ٣٠: ١- ٤ فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى التَّارِيخِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُنَجِّمُونَ، فذكر أنهم يغلبون في سنة كذا وكذا، ويغلبون في سنة كذا كَذَا، عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ دَوَائِرُ التَّقَدْيرِ، ثُمَّ قال:

وهذه نجابة وافقت إصابة، إن صح، قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَكَانَ فِي كِتَابِهِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ علم الحروف، ولا من باب الكرامات والمكاشفات، ولا ينال في حساب، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَدْرِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْوَقْتَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ لَعَلِمَ الْوَقْتَ الَّذِي يُرْفَعُ فِيهِ.

قُلْتُ: ابْنُ بَرَّجَانَ ذَكَرَ هَذَا فِي تَفْسِيرِهِ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَيُقَالُ إِنَّ الْمَلِكَ نُورَ الدِّينِ أُوقِفَ عَلَى ذَلِكَ فَطَمِعَ أن يعيش إلى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، لأن مولده في سنة إحدى عشر وَخَمْسِمِائَةِ، فَتَهَيَّأَ لِأَسْبَابِ ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُ أَعَدَّ منبرا عظيما لبيت المقدس إذا فتحه والله أعلم.

وأما الصخرة المعظمة فان السلطان أزال ما حولها من المنكرات والصور والصلبان، وطهرها بعد ما كانت جيفة، وأظهرها بعد ما كَانَتْ خَفِيَّةً مَسْتُورَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ، وَأَمَرَ الْفَقِيهَ عِيسَى الْهَكَّارِيَّ أَنْ يَعْمَلَ حَوْلَهَا شَبَابِيكَ مِنْ حديد، ورتب لها إماما راتبا، وقف عليه رزقا جيدا، وكذلك إمام الأقصى، وعمل للشافعية مدرسة يقال لها الصلاحية والناصرية أيضا، وكان موضعها كنيسة على قبر حنة أم مريم، ووقف على الصوفية رباطا كان للبترك إِلَى جَنْبِ الْقُمَامَةِ، وَأَجْرَى عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ الجوامك، وأرصد الختم والربعات في أرجاء المسجد الأقصى والصخرة، ليقرأ فيها المقيمون والزائرون

<<  <  ج: ص:  >  >>