قال الواقدي: حدثنا محمد بن عبد الله الزهري قال بعث رسول الله ﷺ كعب بن عمير الغفاريّ في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا الى ذات اطلاع من الشام، فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل، فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله ﷺ قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا، فارتث منهم رجل جريح في القتلى، فلما أن برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله ﷺ، فهم بالبعثة اليهم فبلغه انهم ساروا إلى موضع آخر.
[غزوة مؤتة]
وهي سرية زيد بن حارثة في نحو من ثلاثة آلاف الى ارض البلقاء من أرض الشام.
قال محمد بن إسحاق بعد قصة عمرة القضية. فأقام رسول الله ﷺ بالمدينة بقية ذي الحجة، - وولى تلك الحجة المشركون - والمحرم وصفرا وشهري ربيع وبعث في جمادى الاولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة. فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال بعث رسول الله ﷺ بعثه إلى مؤتة في جمادى الاولى من سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال «إن أصيب زيد فجعفر بن أبى طالب على الناس، فان أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس» فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف.
وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان عن عمرو بن الحكم عن أبيه قال: جاء النعمان ابن فنحص اليهودي فوقف على رسول الله ﷺ مع الناس، فقال رسول الله ﷺ«زيد بن حارثة أمير الناس، فان قتل زيد فجعفر بن أبى طالب، فان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، فان قتل عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم». فقال النعمان: أبا القاسم إن كنت نبيا فلو سمّيت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا، ان الأنبياء في بنى إسرائيل كانوا إذا سموا الرجل على القوم فقالوا ان أصيب فلان ففلان، فلو سموا مائة أصيبوا جميعا، ثم جعل يقول لزيد أعهد فإنك لا ترجع أبدا إن كان محمد نبيا، فقال زيد: أشهد أنه نبي صادق بار. رواه البيهقي.
قال ابن إسحاق: فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله ﷺ وسلموا عليهم، فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع بكى، فقالوا ما يبكيك يا ابن رواحة؟ فقال أما والله ما بى حبّ الدنيا ولا صبابة بكم، ولكنى سمعت رسول الله ﷺ يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا﴾ فلست أدرى كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم وردّكم إلينا صالحين، فقال عبد الله بن رواحة: