للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسمها عتبة، وقد طلبها منه غير مرة فإذا سمح له بها لم ترده الجارية، وتقول للخليفة: أتعطيني لرجل دميم الخلق كان يبيع الجرار؟ فكان يكثر التغزل فيها، وشاع أمره واشتهر بها، وكان المهدي يفهم ذلك منه. واتفق في بعض الأحيان أن المهدي استدعى الشعراء إلى مجلسه وكان فيهم أبو العتاهية وبشار بن برد الأعمى، فسمع صوت أبى العتاهية. فقال بشار لجليسه: أثم هاهنا أبو العتاهية؟ قال: نعم. فانطلق يذكر قصيدته فيها التي أولها:

ألا ما لسيدتى ما لها … أدلت فأجمل إدلالها

فقال بشار لجليسه: ما رأيت أجسر من هذا. حتى انتهى أبو العتاهية إلى قوله:

أتته الخلافة منقادة … إليه تجرر أذيالها

فلم تك تصلح إلا له … ولم يك يصلح إلا لها

ولو رامها أحد غيره … لزلزلت الأرض زلزالها

ولو لم تطعه بنات القلوب … لما قبل الله أعمالها

فقال بشار لجليسه: انظروا أطار الخليفة عن فراشه أم لا؟ قال: فو الله ما خرج أحد من الشعراء يومئذ بجائزة غيره. قال ابن خلكان: اجتمع أبو العتاهية بأبي نواس - وكان في طبقته وطبقة بشار - فقال أبو العتاهية لأبى نواس: كم تعمل في اليوم من الشعر؟ قال: بيتا أو بيتين.

فقال: لكنى أعمل المائة والمائتين. فقال أبو نواس: لعلك تعمل مثل قولك:

يا عتب ما لي ولك … يا ليتني لم أرك

ولو عملت أنا مثل هذا لعملت الألف والألفين وأنا أعمل مثل قولي:

من كف ذات حرفى زي ذي ذكر لها محبان لوطي وزناء ولو أردت مثلي لأعجزك الدهر. قال ابن خلكان: ومن لطيف شعر أبى العتاهية:

إني صبوت إليك … حتى صرت من فرط التصابي

يجد الجليس إذا دنا … ريح التصابي في ثيابي

وكان مولده سنة ثلاثين ومائة. وتوفى يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وقيل ثلاث عشرة ومائتين، وأوصى أن يكتب على قبره ببغداد:

إن عيشا يكون آخره الموت … لعيش معجل التنغيص

[ثم دخلت سنة ثنتين عشرة ومائتين]

فيها وجه المأمون محمد بن حميد الطوسي على طريق الموصل لمحاربة بابك الخرمى في أرض أذربيجان، فأخذ جماعة من الملتفين عليه فبعث بهم إلى المأمون. وفي ربيع الأول أظهر المأمون

<<  <  ج: ص:  >  >>