تركها الصديق لعمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم. ثم نزل ودخل منزله فلم يخرج منه حتى مات رحمه الله تعالى. ويقال إنه سقى ويقال إنه طعن.
ولما دفن حضر مروان دفنه فلما فرغ منه قال مروان: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: نعم معاوية ابن يزيد، فقال مروان: هو أبو ليلى الّذي قال فيه أر ثم الفزاري
إني أرى فتنة تغلي مراجلها … والملك بعد أبى ليلى لمن غلبا
قالوا: فكان الأمر كما قال، وذلك أن أبا ليلى توفى من غير عهد منه إلى أحد، فتلغب إلى الحجاز عبد الله بن الزبير، وعلى دمشق وأعمالها مروان بن الحكم، وبايع أهل خراسان سلم بن زياد حتى يتولى على الناس خليفة، وأحبوه محبة عظيمة، وسار فيهم سلم سيرة حسنة أحبوه عليها، ثم أخرجوه من بين أظهرهم. وخرج القراء والخوارج بالبصرة وعليهم نافع بن الأزرق، وطردوا عنهم عبيد الله بن زياد بعد ما كانوا بايعوه عليهم حتى يصير للناس إمام، فأخرجوه عنهم، فذهب إلى الشام بعد فصول يطول ذكرها، وقد بايعوا بعده عبد الله بن الحارث بن نوفل المعروف ببّة، وأمه هند بنت أبى سفيان، وقد جعل على شرطة البصرة هميان بن عدي السدوسي، فبايعه الناس في مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وستين، وقد قال الفرزدق
وبايعت أقواما وفيت بعهدهم … وببة قد بايعته غير نادم
فأقام فيها أربعة أشهر ثم لزم بيته، فكتب أهل البصرة إلى ابن الزبير فكتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك يأمره أن يصلى بالناس، فصلى بهم شهرين، ثم كان ما سنذكره. وخرج نجدة بن عامر الحنفي باليمامة، وخرج بنو ماحورا في الأهواز وفارس وغير ذلك على ما سيأتي تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى.
[إمارة عبد الله بن الزبير ﵄]
وعند ابن حزم وطائفة أنه أمير المؤمنين في هذا الحين قد قدمنا أنه لما مات يزيد أقلع الجيش عن مكة وهم الذين كانوا يحاصرون ابن الزبير وهو عائذ بالبيت فلما رجع حصين بن نمير السكونيّ بالجيش إلى الشام، استفحل ابن الزبير بالحجاز وما والاها، وبايعه الناس بعد يزيد بيعة هناك، واستناب على أهل المدينة أخاه عبيد الله بن الزبير، وأمره باجلاء بنى أمية عن المدينة فاجلاهم فرحلوا إلى الشام، وفيهم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، ثم بعث أهل البصرة إلى ابن الزبير بعد حروب جرت بينهم وفتن كثيرة يطول استقصاؤها، غير أنهم في أقل من ستة أشهر أقاموا عليهم نحوا من أربعة أمراء من بينهم ثم تضطرب أمورهم، ثم بعثوا إلى ابن الزبير