والسيول وزيادة الأنهار، وأجمعوا على هذا الأمر فأخذ الناس كهوفا في الجبال خوفا من ذلك، فأكذب الله تعالى المنجمين في قولهم فلم يكن عام أقل مطرا منه، وقلّت العيون جدا وقحط الناس في كل بقعة حتى استسقى الناس ببغداد وغيرها من البلاد مرارا كثيرة. قال: وفيها كان يتبدى في دار الخلافة شخص بيده سيف مسلول في الليل فإذا أرادوا أخذه انهزم فدخل في بعض الأماكن والزروع والأشجار والعطفات التي بدار الخلافة فلا يطلع له على خبر، فقلق من ذلك المعتضد قلقا شديدا وأمر بتجديد سور دار الخلافة والاحتفاظ به، وأمر الحرس من كل جانب بشدة الاحتراس فلم يفد ذلك شيئا، ثم استدعى بالمغرمين ومن يعاني علم السحر وأمر المنجمين فعزّموا واجتهدوا فلم يفد ذلك شيئا فأعياهم أمره، فلما كان بعد مدة اطلع على جلية الأمر وحقيقة الخبر فوجده خادما خصيا من الخدام كان يتعشق بعض الجواري من حظايا المعتضد التي لا يصل إليها مثله ولا النظر إليها من بعيد، فاتخذ لحا مختلفة الألوان يلبس كل ليلة واحدة، واتخذ لباسا مزعجا فكان يلبس ذلك ويتبدى في الليل في شكل مزعج فيفزع الجواري وينزعجن وكذلك الخدم فيثورون إليه من كل جانب فإذا قصدوه دخل في بعض العطفات ثم يلقى ما عليه أو يجعله في كمه أو في مكان قد أعده لذلك. ثم يظهر أنه من جملة الخدم المتطلبين لكشف هذا الأمر، ويسأل هذا وهذا ما الخبر؟ والسيف في يده صفة من يرى أنه قد رهب من هذا الأمر، وإذا اجتمع الحظايا تمكن من النظر إلى تلك المعشوقة ولاحظها وأشار إليها بما يريده منها وأشارت إليه، فلم يزل هذا دأبه إلى زمن المقتدر فبعثه في سرية إلى طرسوس فنمت عليه تلك الجارية وانكشف أمره وحاله وأهلكه الله.
وفيها اضطرب الجيش المصري على هارون بن خمارويه فأقاموا له بعض أمراء أبيه يدير الأمور ويصلح الأحوال، وهو أبو جعفر بن أبان، فبعث إلى دمشق - وكانت قد منعت البيعة تسعة أشهر بعد أبيه، واضطربت أحوالها - فبعث إليهم جيشا كثيفا مع بدر الحمامي والحسن بن أحمد الماذرائي فأصلحا أمرها واستعملا على نيابتها طفح بن خف ورجعا إلى الديار المصرية والأمور مختلفة جدا.
[وفيها توفى من الأعيان.]
[أحمد بن المبارك أبو عمرو المستملي]
الزاهد النيسابورىّ يلقب بحكمويه العابد، سمع قتيبة وأحمد وإسحاق وغيرهم، واستملى على المشايخ ستا وخمسين سنة، وكان فقيرا رث الهيئة زاهدا، دخل يوما على أبى عثمان سعيد بن إسماعيل وهو في مجلس التذكير، فبكى أبو عثمان وقال للناس: إنما أبكانى رثاثة ثياب رجل كبير من أهل العلم أنا أجله عن أن أسميه في هذا المجلس، فجعل الناس يلقون الخواتم والثياب والدراهم حتى اجتمع من ذلك شيء كثير بين يدي الشيخ أبى عثمان، فنهض عند ذلك أبو عمرو المستملي فقال: