حديث يزيد بن أبى حبيب باسناده نحوه وفيه زيادات على هذا السياق، فمنها قوله: كي أستأنس بكم لأنظر ماذا أراجع رسل ربى ﷿. وفي رواية أنه بعد هذا حول وجهه إلى الجدار وجعل يقول:
اللهمّ أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلا عفوك. وفي رواية أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهمّ لا قوى فانتصر، ولا برئ فأعتذر، ولا مستنكر بل مستغفر، لا إله إلا أنت، فلم يزل يرددها حتى مات ﵁.
وأما محمد بن مسلمة الأنصاري [فقد] أسلم على يدي مصعب بن عمير قبل أسيد بن حضير وسعد ابن معاذ، شهد بدرا وما بعدها إلا تبوك فإنه استخلفه رسول الله على المدينة في قول، وقيل استخلفه في قرقرة الكدر، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف اليهودي، وقيل إنه الّذي قتل مرحبا اليهودي يوم خيبر أيضا. وقد أمّره رسول الله ﷺ على نحو من خمس عشرة سرية، وكان ممن اعتزل تلك الحروب بالجمل وصفين ونحو ذلك، واتخذ سيفا من خشب. وقد ورد في حديث قدمناه أنه أمره رسول الله ﷺ بذلك وخرج إلى الرَّبَذَة. وكان من سادات الصحابة، وكان هو رسول عمر إلى عماله وهو الّذي شاطرهم عن أمره، وله وقائع عظيمة وصيانة وأمانة بليغة، ﵁، واستعمله على صدقات جهينة، وقيل إنه توفى سنة ست أو سبع وأربعين، وقيل غير ذلك. وقد جاوز السبعين، وترك بعده عشرة ذكور وست بنات، وكان أسمر شديد السمرة طويلا أصلع ﵁.
وممن توفى فيها عبد الله بن سلام أبو يوسف الإسرائيلي، أحد أحبار اليهود، أسلم حين قدم رسول الله ﷺ المدينة،
قال: لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل إليه، فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب، فكان أول ما سمعته يقول:«أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام تدخلوا الجنة بسلام». وقد ذكرنا صفة إسلامه أول الهجرة، وماذا سأل عنه رسول الله ﷺ من الأسئلة النافعة الحسنة، ﵁. وهو ممن شهد له رسول الله بالجنة، وهو ممن يقطع له بدخولها.
[ثم دخلت سنة أربع وأربعين]
فيها غزا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بلاد الروم ومعه المسلمون وشتوا هنالك، وفيها غزا بسر ابن أبى أرطاة في البحر، وفيها عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة، وذلك أنه ظهر فيها الفساد وكان ليّن العريكة سهلا، يقال إنه كان لا يقطع لصا ويريد أن يتألف الناس، فذهب عبد الله بن أبى أوفى المعروف بابن الكواء فشكاه إلى معاوية، فعزل معاوية ابن عامر عن البصرة وبعث إليها الحرث بن عبد الله الأزدي، ويقال إن معاوية استدعاه إليه ليزوره فقدم ابن عامر على معاوية دمشق فأكرمه ورده على عمله، فلما ودعه قال له معاوية: ثلاث أسألكهن فقل هي لك وأنا ابن أم