قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ- حَتَّى اجترأوا عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ الْتَقَوْا مَعَهُمْ فَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن ربيعة- وكان يقال له ذو النون- وانهزم المسلمون فافترقوا فرقتين، ففرقة ذهبت إلى بِلَادِ الْخَزَرِ، وَفِرْقَةٌ سَلَكُوا نَاحِيَةَ جِيلَانَ وَجُرْجَانَ، وَفِي هَؤُلَاءِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ. وَأَخَذَتِ التُّرْكُ جَسَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَبِيعَةَ- وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَشُجْعَانِهِمْ- فَدَفَنُوهُ فِي بِلَادِهِمْ فَهُمْ يَسْتَسْقُونَ عِنْدَهُ إِلَى الْيَوْمِ، وَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ اسْتَعْمَلَ سَعِيدُ بْنُ العاص على ذلك الفرع سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأَمَدَّهُمْ عُثْمَانُ بِأَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَتَنَازَعَ حَبِيبُ وَسَلْمَانُ فِي الْإِمْرَةِ حَتَّى اخْتَلَفَا، فَكَانَ أَوَّلَ اخْتِلَافٍ وَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ، حَتَّى قَالَ فِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَهُوَ أَوْسٌ:
فَإِنْ تَضْرِبُوا سَلْمَانَ نَضْرِبْ حَبِيبَكُمْ ... وَإِنْ تَرْحَلُوا نَحْوَ ابْنِ عَفَّانَ نَرْحَلِ
وَإِنْ تُقْسِطُوا فَالثَّغْرُ ثَغْرُ أَمِيرِنَا ... وَهَذَا أَمِيرٌ فِي الكتائب مقبل
ونحن ولاة الثغر كما حُمَاتَهُ ... لَيَالِيَ نَرْمِي كُلَّ ثَغْرِ وَنُنْكِلِ
وَفِيهَا فتح ابن عامر مروالروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان. فأما مروالروذ فبعث إليهم أبو عَامِرٍ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ فَحَصَرَهَا فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى كَسَرَهُمْ فَاضْطَرَّهُمْ إِلَى حِصْنِهِمْ، ثُمَّ صَالَحُوهُ عَلَى مَالٍ جَزِيلٍ وَعَلَى أَنْ يَضْرِبَ عَلَى أَرَاضِي الرَّعِيَّةِ الْخَرَاجَ، وَيَدَعَ الْأَرْضَ الَّتِي كان اقتطعها كِسْرَى لِوَالِدِ الْمَرْزُبَانِ، صَاحِبِ مَرْوَ، حِينَ قَتَلَ الْحَيَّةَ الَّتِي كَانَتْ تَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى النَّاسِ وَتَأْكُلُهُمْ، فَصَالَحَهُمُ الْأَحْنَفُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَ صُلْحٍ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَعَثَ الْأَحْنَفُ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ إِلَى الْجُوزَجَانِ فَفَتَحَهَا بَعْدَ قِتَالٍ وَقَعَ بَيْنَهُمْ، قُتِلَ فِيهِ خَلْقٌ مِنْ شُجْعَانِ المسلمين، ثم نصروا فقال في ذلك أبو كُثَيِّرٌ النَّهْشَلِيُّ قَصِيدَةً طَوِيلَةً فِيهَا:
سَقَى مُزْنَ السَّحَابِ إِذَا اسْتَهَلَّتْ ... مَصَارِعَ فِتْيَةٍ بِالْجُوزَجَانِ
إِلَى القصرين من رستاق حوط ... أَبَادَهُمُ هُنَاكَ الْأَقْرَعَانِ
ثُمَّ سَارَ الْأَحْنَفُ مِنْ مروالروذ إِلَى بَلْخَ فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى صَالَحُوهُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ ألف، واستناب ابن عمه أسيد بن المشمس عَلَى قَبْضِ الْمَالِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ يُرِيدُ الْجِهَادَ، وداهمه الشِّتَاءُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:
مَا تَشَاءُونَ؟ فَقَالُوا: قَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ:
إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ ... وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ
فَأَمَرَ الْأَحْنَفُ بِالرَّحِيلِ إِلَى بَلْخَ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةَ الشتاء، ثم عاد إلى عَامِرٍ فَقِيلَ لِابْنِ عَامِرٍ مَا فُتِحَ عَلَى أَحَدٍ مَا فُتِحَ عَلَيْكَ، فَارِسُ وَكِرْمَانُ وَسِجِسْتَانُ وعامر خُرَاسَانَ، فَقَالَ: لَا جَرَمَ، لَأَجْعَلَنَّ شُكْرِي للَّه عَلَى ذَلِكَ أَنْ أُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ مَوْقِفِي هَذَا مُشَمِّرًا فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ نَيْسَابُورَ، فَلَمَّا قدم على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute