عن أبيه على بن عبد الله بن عباس قال: من أهان قريشا أهانه الله، وأنت يا عدو الله لم ترض بأن آذيت قريشا حتى تخطيت إلى ذكر رسول الله ﷺ؟ اضربوا عنقه. فما برحنا حتى قتل.
توفى الهادي في ربيع الأول من هذه السنة، وصلى عليه أخوه هارون، ودفن في قصر بناه وسماه الأبيض بعيساباذ من الجانب الشرقي من بغداد، وكان له من الولد تسعة، سبعة ذكور وابنتان، فالذكور جعفر، وعباس، وعبد الله، وإسحاق، وإسماعيل، وسليمان، وموسى الأعمى، الّذي ولد بعد وفاته فسمى باسم أبيه. والبنتان هما أم عيسى التي تزوجها المأمون، وأم العباس تلقب توبة.
[خلافة هارون الرشيد بن المهدي]
بويع له بالخلافة ليلة مات أخوه، وذلك ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول سنة سبعين ومائة وكان عمر الرشيد يومئذ ثنتان وعشرين سنة، فبعث إلى يحيى بن خالد بن برمك فأخرجه من السجن، وقد كان الهادي عزم تلك الليلة على قتله وقتل هارون الرشيد، وكان الرشيد ابنه من الرضاعة، فولاه حينئذ الوزارة، وولى يوسف بن القاسم بن صبيح كتابة الإنشاء. وكان هو الّذي قام خطيبا بين يديه حتى أخذت البيعة له على المنبر بعيساباذ، ويقال إنه لما مات الهادي في الليل جاء يحيى ابن خالد بن برمك إلى الرشيد فوجده نائما فقال: قم يا أمير المؤمنين. فقال له الرشيد: كم تروعنى، لو سمعك هذا الرجل لكان ذلك أكبر ذنوبي عنده؟ فقال: قد مات الرجل. فجلس هارون فقال:
أشر على في الولايات. فجعل يذكر ولايات الأقاليم لرجال يسميهم فيوليهم الرشيد، فبينما هما كذلك إذ جاء آخر فقال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد ولد لك الساعة غلام. فقال: هو عبد الله وهو المأمون. ثم أصبح فصلى على أخيه الهادي، ودفنه بعيساباذ، وحلف لا يصلى الظهر إلا ببغداد. فلما فرغ من الجنازة أمر بضرب عنقه أبى عصمة القائد لأنه كان مع جعفر بن الهادي، فزاحموا الرشيد على جسر فقال أبو عصمة: اصبر وقف حتى يجوز ولى العهد. فقال الرشيد: السمع والطاعة للأمير. فجاز جعفر و. أبو عصمة ووقف الرشيد مكسورا ذليلا. فلما ولى أمر بضرب عنق أبى عصمة، ثم سار إلى بغداد. فلما انتهى إلى جسر بغداد استدعى بالغواصين فقال إني سقط منى هاهنا خاتم كان والدي المهدي قد اشتراه لي بمائة ألف، فلما كان من أيام بعث إلى الهادي يطلبه فألقيته إلى الرسول فسقط هاهنا. فغاص الغواصون وراءه فوجدوه فسر به الرشيد سرورا كثيرا. ولما ولى الرشيد يحيى بن خالد الوزارة قال له: قد فوضت إليك امر الريعة وخلعت ذلك من عنقي وجعلته في عنقك، فول من رأيت واعزل من رأيت. ففي ذلك يقول إبراهيم بن الموصلي: -
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة … فلما ولى هارون أشرق نورها
بيمن أمين الله هارون ذي الندى … فهارون واليها ويحيى وزيرها