جوسكين الفرنجى على خلق من العرب والتركمان فقتلهم وأخذ أموالهم، وهذا هو صاحب الرها.
وَفِيهَا تَمَرَّدَتِ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ وَأَخَذُوا الدُورَ جِهَارًا ليلا ونهارا، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وفيها كَانَ ابْتِدَاءُ مُلْكِ مُحَمَّدِ بْنِ تُومَرْتَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ، كَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ قَدِمَ فِي حَدَاثَةِ سِنِّهِ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ فسكن النظامية ببغداد، واشتغل بالعلم فحصل منه جَانِبًا جَيِّدًا مِنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، عَلَى الْغَزَّالِيِّ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يُظْهِرُ التَّعَبُّدَ وَالزُّهْدَ وَالْوَرَعَ، وَرُبَّمَا كان ينكر على الغزالي حسن ملابسه، ولا سيما لما لبس خلع التدريس بالنظاميّة، أظهر الإنكار عليه جدا، وكذلك على غيره، ثم إنه حج وعاد إلى بلاده، وكان يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقْرِئُ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَيَشْغَلُهُمْ فِي الْفِقْهِ، فَطَارَ ذِكْرُهُ فِي النَّاسِ، وَاجْتَمَعَ بِهِ يَحْيَى بْنُ تَمِيمِ بْنِ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ صَاحِبُ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَعَظَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَسَأَلَهُ الدُّعَاءَ، فَاشْتُهِرَ أَيْضًا بِذَلِكَ، وَبَعُدَ صِيتُهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِلَّا رِكْوَةٌ وَعَصًا، وَلَا يسكن إلا المساجد، ثم جعل يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى دَخَلَ مَرَّاكُشَ وَمَعَهُ تِلْمِيذُهُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَلِيٍّ، وقد كان توسم النجابة والشهامة فيه، فرأى في مراكش مِنَ الْمُنْكَرَاتِ أَضْعَافَ مَا رَأَى فِي غَيْرِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرِّجَالَ يَتَلَثَّمُونَ وَالنِّسَاءَ يَمْشِينَ حَاسِرَاتٍ عَنْ وُجُوهِهِنَّ، فَأَخَذَ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ حتى أنه اجتازت بِهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أُخْتُ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ يوسف ملك مراكش وما حولها، ومعها نساء مثلها رَاكِبَاتٌ حَاسِرَاتٌ عَنْ وُجُوهِهِنَّ، فَشَرَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ في الإنكار عليهنّ، وجعلوا يضربون وجوه الدَّوَابَّ فَسَقَطَتْ أُخْتُ الْمَلِكِ عَنْ دَابَّتِهَا، فَأَحْضَرَهُ الْمَلِكُ وَأَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ، وَأَخَذَ يعظ الملك في خاصة نفسه، حتى أبكاه، وَمَعَ هَذَا نَفَاهُ الْمَلِكُ عَنْ بَلَدِهِ فَشَرَعَ يُشَنِّعُ عَلَيْهِ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى قِتَالِهِ، فَاتَّبَعَهُ على ذلك خلق كثير، فجهز إليه الملك جَيْشًا كَثِيفًا فَهَزَمَهُمُ ابْنُ تُومَرْتَ، فَعَظُمَ شَأْنُهُ وَارْتَفَعَ أَمْرُهُ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، وَتَسَمَّى بِالْمَهْدِيِّ، وَسَمَّى جَيْشَهُ جَيْشَ الْمُوَحِّدِينَ وَأَلَّفَ كِتَابًا فِي التَّوْحِيدِ وَعَقِيدَةً تُسَمَّى الْمُرْشِدَةُ، ثُمَّ كَانَتْ لَهُ وَقَعَاتٌ مع جيوش صاحب مراكش، فقتل منهم في بعض الأيام نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أَبِي عبد الله التومرتي، وَكَانَ ذَكَرَ أَنَّهُ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ وَعَلَّمَهُ القرآن والموطأ، وَلَهُ بِذَلِكَ مَلَائِكَةٌ يَشْهَدُونَ بِهِ فِي بِئْرٍ سَمَّاهُ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهِ وَكَانَ قَدْ أَرْصَدَ فيه رجالا، فلما سألهم عن ذلك والناس حضور معه على ذلك البئر شَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ حِينَئِذٍ بِطَمِّ الْبِئْرِ عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَلِهَذَا يُقَالُ مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ. ثُمَّ جَهَّزَ ابْنُ تُومَرْتَ الَّذِي لَقَّبَ نَفْسَهُ بِالْمَهْدِيِّ جَيْشًا عَلَيْهِمْ أبو عبد الله التومرتي، وَعَبْدُ الْمُؤْمِنِ، لِمُحَاصَرَةِ مَرَّاكُشَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَهْلُهَا فاقتتلوا قتالا شديدا، وكان فِي جُمْلَةِ مَنْ قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التومرتي هَذَا الَّذِي زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُخَاطِبُهُ، ثُمَّ افْتَقَدُوهُ فِي الْقَتْلَى فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ دَفَنَهُ والناس في المعركة، وقتل ممن معه مِنْ أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ كَانَ حِينَ جَهَّزَ الْجَيْشَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute