للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأعجبتهما ووجد لك ديرات ثلاث دير حرقة بنت النعمان، ودير أم عمرو، ودير سلسلة، وبين ذلك خصاص خلال هذه الكوفة، فنزلا فصليا لك وقال كل واحد منهما: اللهم رب السماء وما أظلت، ورب الأرض وما أقلت، ورب الريح وما ذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما جرت، والشياطين وما أضلت، والخصاص وما أجنت، بارك لنا في هذه الكوفة واجعلها منزل ثبات. ثم كتبا إلى سعد بالخبر، فأمر سعد باختطاط الكوفة، وسار إليها في أول هذه السنة في محرمها، فكان أول بناء وضع فيها المسجد. وأمر سعد رجلا راميا شديد الرمي، فرمى من المسجد إلى الأربع جهات فحيث سقط سهمه بنى الناس منازلهم، وعمر قصرا تلقاء محراب المسجد للامارة وبيت المال، فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللبن عن أمر عمر، بشرط أن لا يسرفوا ولا يجاوزوا الحد. وبعث سعد إلى الأمراء والقبائل فقدموا عليه، فأنزلهم الكوفة، وأمر سعد أبا هياج الموكل بإنزال الناس فيها بأن يعمروا ويدعوا للطريق المنهج وسع أربعين ذراعا. ولما دون ذلك ثلاثين وعشرين ذراعا، وللازقة سبعة أذرع. وبنى لسعد قصر قريب من السوق، فكانت غوغاء الناس تمنع سعدا من الحديث، فكان يغلق بابه ويقول: سكن الصويت فلما بلغت هذه الكلمة عمر بن الخطاب بعث محمد بن مسلمة، فأمره إذا انتهى إلى الكوفة أن يقدح زناده ويجمع حطبا ويحرق باب القصر ثم يرجع من فوره. فلما انتهى إلى الكوفة فعل ما أمره به عمر، وأمر سعدا أن لا يغلق بابه عن الناس، ولا يجعل على بابه أحدا يمنع الناس عنه، فامتثل ذلك سعد وعرض على محمد بن مسلمة شيئا من المال فامتنع من قبوله، ورجع إلى المدينة، واستمر سعد بعد ذلك في الكوفة ثلاث سنين ونصف، حتى عزله عنها عمر، من غير عجز ولا خيانة.

[قصة أبى عبيدة وحصر الروم له بحمص وقدوم عمر إلى الشام أيضا لينصره]

وذلك أن جمعا من الروم عزموا على حصار أبى عبيدة بحمص، واستجاشوا بأهل الجزيرة، وخلق ممن لك، وقصدوا أبا عبيدة، فبعث أبو عبيدة إلى خالد فقدم عليه من قنسرين، وكتب إلى عمر بذلك، واستشار أبو عبيدة المسلمين في أن يناجز الروم أو يتحصن بالبلد حتى يجيء أمر عمر؟ فكلهم أشار بالتحصن، إلا خالدا فإنه أشار بمناجزتهم، فعصاه وأطاعهم. وتحصن بحمص وأحاط به الروم، وكل بلد من بلدان الشام مشغول أهله عنه بأمرهم، ولو تركوا ما هم فيه وأقبلوا إلى حمص لانخرم النظام في الشام كله. وكتب عمر إلى سعد أن يندب الناس مع القعقاع بن عمرو، ويسيرهم إلى حمص من يوم يقدم عليه الكتاب، نجدة لأبى عبيدة فإنه محصور، وكتب إليه أن يجهز حيشا إلى أهل الجزيرة الذين مالئوا الروم على حصار أبى عبيدة ويكون أمير الجيش إلى الجزيرة عياض ابن غنم. فخرج الجيشان معا من الكوفة، القعقاع في أربعة آلاف نحو حمص لنجدة أبى عبيدة،

<<  <  ج: ص:  >  >>