للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجلا من العجم يدعى أنه من ذرية خالد بن الوليد يقال له خسرو شاه، فخرب أسوارها كمدينة حلب

[صفة أخذهم دمشق وزوال ملكهم عنها سريعا]

أرسل هولاكو وهو نازل على حلب جيشا مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغانوين، فوردوا دمشق في آخر صفر فأخذوها سريعا من غير ممانعة ولا مدافع، بل تلقاهم كبارها بالرحب والسعة، وقد كتب هولاكو أمانا لأهل البلد، فقرئ بالميدان الأخضر ونودي به في البلد، فأمن الناس على وجل من الغدر، كما فعل بأهل حلب، هذا والقلعة ممتنعة مستورة، وفي أعاليها المجانيق منصوبة والحال شديدة، فأحضرت التتار منجنيقا يحمل على عجل والخيول تجرها، وهم راكبون على الخيل وأسلحتهم على أبقار كثيرة، فنصب المنجانيق على القلعة من غربيها، وخربوا حيطانا كثيرة وأخذوا حجارتها ورموا بها القلعة رميا متواترا كالمطر المتدارك، فهدموا كثيرا من أعاليها وشرافاتها وتداعت للسقوط فأجابهم متوليها في آخر ذلك النهار للمصالحة، ففتحوها وخربوا كل بدنة فيها، وأعالى بروجها، وذلك في نصف جمادى الأولى من هذه السنة، وقتلوا المتولي بها بدر الدين بن قراجا، ونقيبها جمال الدين ابن الصيرفي الحلبي، وسلموا البلد والقلعة إلى أمير منهم يقال له إبل سيان، وكان لعنه الله معظما لدين النصارى، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم، فعظمهم جدا، وزار كنائسهم، فصارت لهم دولة وصولة بسببه، وذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفا، وقدموا من عنده ومعهم أمان فرمان من جهته، ودخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رءوس الناس، وهم ينادون بشعارهم ويقولون: ظهر الدين الصحيح دين المسيح. ويذمون دين الإسلام وأهله، ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمرا، وقماقم ملآنة خمرا يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم لصليبهم، ودخلوا من درب الحجر فوقفوا عند رباط الشيخ أبى البيان، ورشوا عنده خمرا، وكذلك على باب مسجد درب الحجر الصغير والكبير، واجتازوا في السوق حتى وصلوا درب الريحان أو قريب منه، فتكاثر عليهم المسلمون فردوهم إلى سوق كنيسة مريم، فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى وذم دين الإسلام وأهله، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريم وكانت عامرة ولكن كان هذا سبب خرابها ولله الحمد. وحكى الشيخ قطب الدين في ذيله على المرآة أنهم ضربوا بالناقوس في كنيسة مريم فالله أعلم.

قال وذكر أنهم دخلوا إلى الجامع بخمر وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا كثيرا من المساجد وغيرها، ولما وقع هذا في البلد اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها إبل سيان فأهينوا وطردوا، وقدم كلام رؤساء النصارى عليهم ف ﴿إِنّا لِلّهِ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>