وقد اتفق للفضل في هذه السفرة إلى خراسان أشياء غريبة، وفتح بلادا كثيرة، منها كابل وما وراء النهر، وقهر ملك الترك وكان ممتنعا، وأطلق أموالا جزيلة جدا، ثم قفل راجعا إلى بغداد، فلما اقترب منها خرج الرشيد ووجوه الناس إليه، وقدم عليه الشعراء والخطباء وأكابر الناس، فجعل يطلق الألف ألف، والخمسمائة ألف ونحوها، وأنفذ في ذلك من الأموال شيئا كثيرا لا يمكن حصره إلا بتعب وكلفة، وقد دخل عليه بعض الشعراء والبدر موضوعة بين يديه وهي تفرق على الناس فقال:
كفى الله بالفضل بن يحيى بن خالد … وجود يديه بخل كل بخيل
فأمر له بمال جزيل. وغزا الصائفة في هذه السنة معاوية بن زفر بن عاصم. وغزا الشاتية سليمان ابن راشد. وحج بالناس فيها محمد بن إبراهيم بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس نائب مكة.
وفيها توفى جعفر بن سليمان، وعنتر بن القاسم، وعبد الملك بن محمد بن أبى بكر بن عمرو بن حزم القاضي ببغداد، وصلى عليه الرشيد ودفن بها، وقد قيل إنه مات في التي قبلها فالله أعلم.
[ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائة]
فيها كان قدوم الفضل بن يحيى من خراسان وقد استخلف عليها عمر بن جميل، فولى الرشيد عليها منصور بن يزيد بن منصور الحميري. وفيها عزل الرشيد خالد بن برمك عن الحجوبة وردها إلى الفضل بن الربيع. وفيها خرج بخراسان حمزة بن أترك السجستاني، وكان من أمره ما سيأتي طرف منه. وفيها رجع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة واشتدت شوكته وكثر أتباعه، فبعث إليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني فراوغه حتى قتله وتفرق أصحابه، فقالت الفارعة في أخيها الوليد ابن طريف ترثيه:
أيا شجر الخابور مالك مورقا … كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى … ولا المال إلا من قنا وسيوف
وفيها خرج الرشيد معتمرا من بغداد شكرا لله ﷿، فلما قضى عمرته أقام بالمدينة حتى حج بالناس في هذه السنة، فمشى من مكة إلى منى ثم إلى عرفات، وشهد المشاهد والمشاعر كلها ماشيا، ثم انصرف إلى بغداد على طريق البصرة.
[وفيها توفى]
[إسماعيل بن محمد]
ابن يزيد بن ربيعة أبو هاشم الحميري الملقب بالسيد، كان من الشعراء المشهورين المبرزين فيه، ولكنه كان رافضيا خبيثا، وشيعيا غثيثا، وكان ممن يشرب الخمر ويقول بالرجعة - أي بالدور - قال يوما لرجل: أقرضنى دينارا ولك عندي مائة دينار إذا رجعنا إلى الدنيا. فقال له