وفي ربيع الآخر قبض الظاهر على جماعة من الأمراء بلغه عنهم أنهم يريدون الوثوب عليه وفيه أرسل إلى الشوبك فتسلمها من أيدي نواب المغيث صاحب الكرك، وفيها جهز الظاهر جيشا إلى حلب ليطردوا التتار عنها، فلما وصل الجيش إلى غزة كتب الفرنج إلى التتار ينذرونهم، فرحلوا عنها مسرعين واستولى على حلب جماعة من أهلها، فصادروا ونهبوا وبلغوا أغراضهم، وقدم إليهم الجيش الظاهري فأزالوا ذلك كله، وصادروا أهلها بألف ألف وستمائة ألف، ثم قدم الأمير شمس الدين آقوش التركي من جهة الظاهر فاستلم البلد فقطع ووصل وحكم وعدل.
وفي يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى باشر القضاء بمصر تاج الدين عبد الوهاب بن القاضي الأعز أبى القاسم خلف بن رشيد الدين بن أبى الثناء محمود بن بدر العلائى، وذلك بعد شروط ذكرها للظاهر شديدة، فدخل تحتها الملك الظاهر وعزل عن القضاء بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن على السنجاري ورسم عليه أياما، ثم أفرج عنه.
[ذكر البيعة بالخلافة للمستنصر بالله أبى القاسم أحمد بن أمير المؤمنين الظاهر]
وكان معتقلا ببغداد فأطلق، وكان مع جماعة الأعراب بأرض بالعراق، ثم قصد الظاهر حين بلغه ملكه، فقدم مصر صحبة جماعة من أمراء الأعراب عشرة، منهم الأمير ناصر الدين مهنا في ثامن رجب، فخرج السلطان ومعه الوزير والشهود والمؤذنون فتلقوه وكان يوما مشهودا، وخرج أهل التوراة بتوراتهم، والنصارى بإنجيلهم، ودخل من باب النصر في أبهة عظيمة، فلما كان يوم الاثنين ثالث عشر رجب جلس السلطان والخليفة بالايوان بقلعة الجبل، والوزير والقاضي والأمراء على طبقاتهم، وأثبت نسب الخليفة المذكور على الحاكم تاج الدين بن الاعز، وهذا الخليفة هو أخو المستنصر باني المستنصرية، وعم المستعصم، بويع بالخلافة بمصر بايعه الملك الظاهر والقاضي والوزير والأمراء، وركب في دست الخلافة بديار مصر والأمراء بين يديه والناس حوله، وشق القاهرة في ثالث عشر رجب، وهذا الخليفة هو الثامن والثلاثون من خلفاء بنى العباس بينه وبين العباس أربعة وعشرون أبا، وكان أول من بايعه القاضي تاج الدين لما ثبت نسبه، ثم السلطان ثم الشيخ عز الدين ابن عبد السلام ثم الأمراء والدولة، وخطب له على المنابر وضرب اسمه على السكة وكان منصب الخلافة قد شغر منذ ثلاث سنين ونصفا، لأن المستعصم قتل في أول سنة ست وخمسين وستمائة، وبويع هذا في يوم الاثنين في ثالث عشر رجب من هذه السنة - أعنى سنة تسع وخمسين وستمائة - وكان أسمر وسيما شديد القوى عالى الهمة له شجاعة وإقدام، وقد لقبوه بالمستنصر كما كان أخاه باني المدرسة، وهذا أمر لم يسبق إليه أن خليفتين أخوين يلقب كل منهما بالآخر، ولى الخلافة أخوين كهذين السفاح وأخوه المنصور، وكذا محمد بن على بن عبد الله بن العباس، والهادي