وبالرفض. ولما توفى اجتمع الناس من سائر أقطار بغداد وصلوا عليه بداره ودفن بها، ومكث الناس يترددون إلى قبره شهورا يصلون عليه، وقد رأيت له كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، وكتابا جمع فيه طريق حديث الطير. ونسب إليه أنه كان يقول بجواز مسح القدمين في الوضوء وأنه لا يوجب غسلهما، وقد اشتهر عنه هذا. فمن العلماء من يزعم أن ابن جرير اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك، وينزهون أبا جعفر هذا عن هذه الصفات. والّذي عول عليه كلامه في التفسير أنه يوجب غسل القدمين ويوجب مع الغسل دلكهما، ولكنه عبر عن الدلك بالمسح، فلم يفهم كثير من الناس مراده، ومن فهم مراده نقلوا عنه أنه يوجب الغسل والمسح وهو الدلك والله أعلم. وقد رثاه جماعة من أهل العلم منهم ابن الأعرابي حيث يقول:
حدث مفظع وخطب جليل … دق عن مثله اصطبار الصبور
قام ناعي العلوم اجمع لما … قام ناعي محمد بن جرير
فهوت أنجم لها زاهرات … مؤذنات رسومها بالدثور
وتغشى ضياها النير الإشراق … ثوب الدّجنّة الديجور
وغدا روضها الأنيق هشيما … ثم عادت سهولها كالوعور
يا أبا جعفر مضيت حميدا … غير وان في الجد والتشمير
بين أجر على اجتهادك موفور … وسعي إلى التقى مشكور
مستحقا به الخلود لدى جنة … عدن في غبطة وسرور
ولأبى بكر بن دريد ﵀ فيه مرثاة طويلة، وقد أوردها الخطيب البغدادي بتمامها والله سبحانه أعلم
[ثم دخلت سنة إحدى عشرة وثلاثمائة]
فيها دخل أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد الجنابي أمير القرامطة في ألف وسبعمائة فارس إلى البصرة ليلا، نصب السلالم الشعر في سورها فدخلها قهرا وفتحوا أبوابها وقتلوا من لقوة من أهلها، وهرب أكثر الناس فألقوا أنفسهم في الماء فغرق كثير منهم، ومكث بها سبعة عشر يوما يقتل ويأسر من نسائها وذراريها، ويأخذ ما يختار من أموالها. ثم عاد إلى بلده هجر، كلما بعث إليه الخليفة جندا من قبله فرّ هاربا وترك البلد خاويا، ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. وفيها عزل المقتدر عن الوزارة حامد بن العباس وعلى بن عيسى وردها إلى أبى الحسن بن الفرات مرة ثالثة، وسلم إليه حامدا وعلى بن عيسى، فأما حامد فان المحسن بن الوزير ضمنه من المقتدر بخمسمائة ألف ألف دينار، فتسلمه فعاقبه بأنواع العقوبات، وأخذ منه أموالا جزيلة لا تحصى ولا تعد كثرة، ثم أرسله مع موكلين عليه إلى واسط ليحتاطوا على أمواله وحواصله هناك، وأمرهم أن يسقوه سما في الطريق فسقوه ذلك في بيض مشوى