للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وميافارقين، ودخل يوما على أبى العلاء المعرى فقال له: إني معتزل الناس وهم يؤذوننى، وتركت لهم الدنيا، فقال له الوزير: والآخرة أيضا. فقال والآخرة يا قاضى؟ قال: نعم. وله ديوان قليل النظير عزيز الوجود، حرص عليه القاضي الفاضل فلم يقدر عليه، توفى فيها. ومن شعره في وادي تزاعة.

وقانا لفحة الرمضاء واد … وقاه مضاعف النبت العميم

نزلنا دوحه فحنا علينا … حنو المرضعات على الفطيم

وأرشفنا على ظمأ زلالا … ألذ من المدامة للنديم

يراعى الشمس أنى قابلته … فيحجبها ليأذن للنسيم

تروع حصاه حالية العذارى … فتلمس جانب العقد النظيم

قال ابن خلكان: وهذه الأبيات بديعة في بابها.

[ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة]

استهلت هذه السنة والموتان كثير في الدواب جدا، حتى جافت بغداد. قال ابن الجوزي: وربما أحضر بعض الناس الأطباء لأجل دوابهم فيسقونها ماء الشعير ويطببونها. وفيها حاصر السلطان بن طغرلبك أصبهان فصالحه أهلها على مال يحملونه إليه، أن يخطب له بها، فأجابوه إلى ذلك. وفيها ملك مهلهل قرميسين والدينور. وفيها تأمر على بنى خفاجة رجل يقال له رجب بن أبى منيع بن ثمال، بعد وفاة بدران بن سلطان بن ثمال، وهؤلاء الأعراب أكثر من يصد الناس عن بيت الله الحرام، فلا جزاهم الله خيرا.

[وممن توفى فيها من الأعيان.]

[الشيخ أبو محمد الجويني]

إمام الشافعية: عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيسويه الشيخ أبو محمد الجويني، وهو والد إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن أبى محمد، وأصله من قبيلة يقال لها سنبس، وجوين من نواحي نيسابور، سمع الحديث من بلاد شتى على جماعة، وقرأ الأدب على أبيه، وتفقه بابي الطيب سهل ابن محمد الصعلوكي، ثم خرج إلى مرو إلى أبى بكر عبد الله بن أحمد القفال، ثم عاد إلى نيسابور وعقد مجلس المناظرة، وكان مهيبا لا يجرى بين يديه إلا الجد، وصنف التصانيف الكثيرة في أنواع من العلوم وكان زاهدا شديد الاحتياط لدينه حتى ربما أخرج الزكاة مرتين. وقد ذكرته في طبقات الشافعية وذكرت ما قاله الأئمة في مدحه، توفى في ذي القعدة منها. قال ابن خلكان: صنف التفسير الكبير المشتمل على أنواع العلوم، وله في الفقه التبصرة والتذكرة، وصنف مختصر المختصر، والفرق والجمع، والسلسلة وغير ذلك، وكان إماما في الفقه والأصول والأدب والعربية. توفى في هذه السنة، وقيل سنة أربع وثلاثين. قاله السمعاني في الأنساب، وهو في سن الكهولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>