للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيُّهَا الْآمِلُ الَّذِي ... تَاهَ فِي لُجَّةِ الْغَرَرْ

أَيْنَ مَنُ كَانَ قَبْلَنَا ... دَرَسَ الْعَيْنُ وَالْأَثَرْ

سيرد المعاد من ... عمره كله خطر

رب إني ادخرت ... عندك أرجوك مدخر

رب إني مُؤْمِنُّ بِمَا ... بَيَّنَ الْوَحْيِ فِي السُّوَرْ

وَاعْتِرَافِي بترك نفعي ... وإيثاري الضرر

رب فاغفر لى الخطيئة ... ، يَا خَيْرَ مَنْ غَفَرْ

وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِعِلَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي لَيْلَةِ السَّادِسِ عَشَرَ مِنْ ربيع الأول منها. وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى بَجْكَمَ وَهُوَ بِوَاسِطٍ أن يعهد إِلَى وَلَدِهِ الْأَصْغَرِ أَبِي الْفَضْلِ، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ، وَبَايَعَ النَّاسُ أَخَاهُ الْمُتَّقِي للَّه إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُقْتَدِرِ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مقدورا.

ذكر خلافة المتقى باللَّه أبى إسحاق إبراهيم بن المقتدر

لَمَّا مَاتَ أَخُوهُ الرَّاضِي اجْتَمَعَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ بِدَارِ بَجْكَمَ وَاشْتَوَرُوا فِيمَنْ يُوَلُّونَ عَلَيْهِمْ، فَاتَّفَقَ رأيهم كلهم على المتقى، فأحضروه في دَارِ الْخِلَافَةِ وَأَرَادُوا بَيْعَتَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ صَلَاةَ الاستخارة وهو على الأرض، ثم صعد إلى الكرسي بعد الصلاة، ثم صعد إلى السرير وبايعه الناس يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ منها، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا، وَلَا غَدَرَ بِأَحَدٍ حَتَّى وَلَا عَلَى سُرِّيَّتِهِ لَمْ يُغَيِّرْهَا ولم يتسر عليها. وكان كاسمه المتقى باللَّه كثير الصيام والصلاة والتعبد. وقال: لا أريد جليسا ولا مسامرا، حسبي المصحف نديما، لا أريد نديما غيره. فانقطع عنه الجلساء والسمار والشعراء والوزراء والتفوا على الأمير بجكم، وكان يجالسهم ويحادثونه ويتناشدون وعنده الأشعار، وكان بجكم لَا يَفْهَمُ كَثِيرَ شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُونَ لِعُجْمَتِهِ، وكان في جملتهم سنان بن ثابت الصابي الْمُتَطَبِّبُ، وَكَانَ بَجْكَمُ يَشْكُو إِلَيْهِ قُوَّةَ النَّفْسِ الغضبية فيه، وكان سِنَانٌ يُهَذِّبُ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَيُسَكِّنُ جَأْشَهُ، وَيُرَوِّضُ نَفْسَهُ حَتَّى يَسْكُنَ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يتعاطاه من سفك الدماء، وكان المتقى باللَّه حَسَنَ الْوَجْهِ مُعْتَدِلَ الْخُلُقِ قَصِيرَ الْأَنْفِ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، وَفِي شِعْرِهِ شُقْرَةٌ، وَجُعُودَةٌ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، أَشْهَلُ الْعَيْنَيْنِ، أَبِيُّ النَّفْسِ. لَمْ يَشْرَبِ خمرا ولا نبيذا قَطُّ، فَالْتَقَى فِيهِ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ وللَّه الْحَمْدُ. ولما استقر المتقى في الخلافة أنفذ الرسول وَالْخِلَعَ إِلَى بَجْكَمَ وَهُوَ بِوَاسِطٍ، وَنَفَذَتِ الْمُكَاتَبَاتُ إلى الآفاق بولايته.

وفيها تَحَارَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ وبَجْكَمُ بِنَاحِيَةِ الْأَهْوَازِ، فَقُتِلَ بَجْكَمُ فِي الْحَرْبِ وَاسْتَظْهَرَ الْبَرِيدِيُّ عَلَيْهِ وَقَوِيَ أَمْرُهُ، فَاحْتَاطَ الْخَلِيفَةُ عَلَى حَوَاصِلِ بجكم، وكان فِي جُمْلَةِ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِ أَلْفُ ألف دينار، ومائة أَلْفِ دِينَارٍ. وَكَانَتْ أَيَّامُ بَجْكَمَ عَلَى بَغْدَادَ سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةَ أَيَّامٍ. ثُمَّ إِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>