وفي مستهل جمادى الأولى ولى قاضى القضاة تاج الدين الشافعيّ مشيخة دار الحديث بالمدرسة التي فتحت بدرب القلبي، وكانت دارا لوافقها جمال الدين عبد الله بن محمد بن عيسى التدمري، الّذي كان أستاذا للأمير طاز، وجعل فيها درس للحنابلة، وجعل المدرس لهم الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن قيم الجوزية، وحضر الدرس وحضر عنده بعض الحنابلة بالدرس، ثم جرت أمور يطول بسطها. واستحضر نائب السلطنة شهود الحنابلة بالدرس واستفرد كلا منهم وسأله كيف شهد في أصل الكتاب - المحضر - الّذي أثبتوا عليهم، فاضطربوا في الشهادات فضبط ذلك عليهم، وفيه مخالفة كبيرة لما شهدوا به في أصل المحضر، وشنع عليهم كثير من الناس، ثم ظهرت ديون كثيرة لبيت طاز على جمال الدين التدمري الواقف، وطلب من القاضي المالكي أن يحكم بإبطال ما حكم به الحنبلي، فتوقف في ذلك. وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه، قرئ كتاب لسلطان بصرف الوكلاء من أبواب القضاة الأربعة فصرفوا.
وفي شهر جمادى الآخرة توفى الشيخ شمس الدين شيخ الحنابلة بالصالحية ويعرف بالبيرى يوم الخميس ثامنه، صلى عليه بالجامع المظفري بعد العصر ودفن بالسفح وقد قارب الثمانين.
وفي الرابع عشر منه عقد بدار السعادة مجلس حافل اجتمع فيه القضاة الأربعة وجماعة من المفتين، وطلبت فحضرت معهم بسبب المدرسة التدمرية وقرابة الواقف ودعواهم أنه وقف عليهم الثلث، فوقف الحنبلي في أمرهم ودافعهم عن ذلك أشد الدفاع.
وفي العشر الأول من رجب وجد جراد كثير منتشر، ثم تزايد وتراكم وتضاعف وتفاقم الأمر بسببه، وسد الأرض كثرة وعاث يمينا وشمالا، وأفسد شيئا كثيرا من الكروم والمقانى والزروعات النفيسة، وأتلف للناس شيئا كثيرا، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.
وفي يوم الاثنين ثالث شعبان توجه القضاة ووكيل بيت المال إلى باب كيسان فوقفوا عليه وعلى هيئته ومن نية نائب السلطنة فتحه ليتفرج الناس به. وعدم للناس غلات كثيرة وأشياء من أنواع الزروع بسبب كثرة الجراد، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.
[فتح باب كيسان بعد غلقه نحوا من مائتي سنة]
وفي يوم الأربعاء السادس والعشرين من شعبان اجتمع نائب السلطنة والقضاة عند باب كيسان، وشرع الصناع في فتحه عن مرسوم السلطان الوارد من الديار المصرية، وأمر نائب السلطنة وإذن القضاة في ذلك، واستهل رمضان وهم في العمل فيه.
وفي العشر الأخير من شعبان توفى الشريف شمس الدين محمد بن على بن الحسن بن حمزة الحسيني المحدث المحصل، المؤلف لاشياء مهمة، وفي الحديث قرأ وسمع وجمع وكتب أسماء رجال