الْكَثِيرَ، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ مِصْرَ حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا فِي رَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ، وَقَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ الْحَافِظُ عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ لَمَّا رَحَلَ إِلَى مِصْرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ، وَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَةً فِي بَغْدَادَ فَتَبِعَهُمْ نَبَّاشٌ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَ إِلَى ذَلِكَ الْقَبْرِ فَفَتَحَ عَنِ الْمَيِّتِ، وَكَانَ الْمَيِّتُ شَابًّا قَدْ أَصَابَتْهُ سَكْتَةٌ، فَلَمَّا فَتَحَ الْقَبْرَ نَهَضَ ذَلِكَ الشَّابُّ الْمَيِّتُ جَالِسًا فَسَقَطَ النَّبَّاشُ مَيِّتًا فِي الْقَبْرِ، وَخَرَجَ الشَّابُّ مِنْ قبره، ودفن فيه النباش. وَحَكَى لَهُ قَالَ: كُنْتُ مَرَّةً بِقَلْيُوبَ وَبَيْنَ يدي صبرة قمح، فجاء زنبور فأخذوا حدة ثُمَّ ذَهَبَ بِهَا، ثُمَّ جَاءَ فَأَخَذَ أُخْرَى ثُمَّ ذَهَبَ بِهَا، ثُمَّ جَاءَ فَأَخَذَ أُخْرَى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، قَالَ فَاتَّبَعْتُهُ فَإِذَا هُوَ يَضَعُ الْحَبَّةَ فِي فَمِ عُصْفُورٍ أَعْمَى بَيْنَ تِلْكَ الْأَشْجَارِ الَّتِي هُنَاكَ. قَالَ: وَحَكَى لِي الشَّيْخُ عَبْدُ الْكَافِي أَنَّهُ شَهِدَ مَرَّةً جِنَازَةً فَإِذَا عَبَدٌ أَسْوَدُ مَعَنَا، فَلَمَّا صَلَّى النَّاسُ عَلَيْهَا لَمْ يُصَلِّ، فَلَمَّا حَضَرْنَا الدَّفْنَ نَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: أَنَا عَمَلُهُ، ثُمَّ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي قَبْرِ ذَلِكَ الْمَيْتِ، قَالَ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا.
الْحَافِظُ أَبُو الْيُمْنِ
أَمِينُ الدِّينِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ تَرَكَ الرئاسة وَالْأَمْلَاكَ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، مُقْبِلًا عَلَى الْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ قَبُولٌ مِنَ النَّاسِ شَامِيِّهِمْ وَمِصْرِيِّهِمْ وَغَيْرِهِمْ، تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي ثَانِي رَجَبٍ مِنْهَا.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سبع وثمانين وستمائة
فِيهَا قَدِمَ الشُّجَاعِيُّ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ بِنِيَّةِ الْمُصَادَرَةِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَفِي أَوَاخِرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَدِمَ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَقْدِسِيُّ مِنَ الْقَاهِرَةِ، عَلَى وِكَالَةِ بَيْتِ الْمَالِ وَنَظَرِ الْأَوْقَافِ، وَنَظَرِ الْخَاصِّ، وَمَعَهُ تَقَالِيدُ وَخِلَعٌ فَتَرَدَّدَ النَّاسُ إِلَى بَابِهِ وتكلم في الأمور وآذى النَّاسِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ بِسِفَارَةِ الْأَمِيرِ عَلَمِ الدِّينِ الشُّجَاعِيِّ الْمُتَكَلِّمِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، تَوَسَّلَ إِلَيْهِ بالشيخ شمس الدين الأيكي وبابن الوحيد الْكَاتِبِ، وَكَانَا عِنْدَهُ لَهُمَا صُورَةٌ، وَقَدْ طَلَبَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ الدَّمَاشِقَةِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَطُولِبُوا بِأَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ، فَدَافَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهَذَا مِمَّا يُخَفِّفُ عُقُوبَتَهُ مِنْ ظُلْمِهِمْ، وَإِلَّا فَلَوْ صَبَرُوا لَعُوجِلَ الظَّالِمُ بِالْعُقُوبَةِ، وَلَزَالَ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ سَرِيعًا. وَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ الْمَقْدِسِيِّ إِلَى دِمَشْقَ كَانَ يَحْكُمُ بِتُرْبَةِ أَمِّ الصَّالِحِ، وَالنَّاسُ يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ وَيَخَافُونَ شَرَّهُ، وَقَدِ اسْتَجَدَّ بَاشُورَةً بِبَابِ الْفَرَادِيسِ وَمَسَاطِبِ بَابِ السَّاعَاتِ لِلشُّهُودِ، وَجَدَّدَ بَابَ الْجَابِيَةِ الشَّمَالِيَّ وَرَفَعَهُ، وَكَانَ مُتَوَاطِئًا، وَأَصْلَحَ الْجِسْرَ الَّذِي تَحْتَهُ، وَكَذَلِكَ أَصْلَحَ جِسْرَ بَابِ الْفَرَادِيسِ تَحْتَ السُّوَيْقَةِ الَّتِي جَدَّدَهَا عَلَيْهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا عَمِلَهُ ابْنُ الْمَقْدِسِيِّ، وَقَدْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ كَثِيرَ الْأَذِيَّةِ لِلنَّاسِ ظَلُومًا غَشُومًا، وَيَفْتَحُ عَلَى النَّاسِ أَبْوَابًا مِنَ الظُّلْمِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا.
وَفِي عَاشِرِ جُمَادَى الْأُولَى قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَيْضًا قَاضِي الْقُضَاةِ حُسَامُ الدين الحنفي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute