عليه لما ضاق على أهل البلد من أقواتهم، وإن امتنعوا من إيوائهم عندهم قاتلهم بأولئك المقاتلة الذين هم أهل البلد الّذي فتحه قبل ذلك، فان حصل الفتح وإلا كان قد أضعف أولئك بهؤلاء حتى يفنى تلك المقاتلة، فان حصل الفتح وإلا قاتلهم بجنده وأصحابه مع راحة أصحابه وتعب أهل البلد وضعفهم حتى يفتحهم سريعا. وكان يبعث إلى الحصن يقول: إن ماءكم قد قل فنخشى أن نأخذكم عنوة فنقتلكم عن آخركم ونسبي نساءكم وأولادكم فما بقاؤكم بعد ذهاب مائكم، فافتحوا صلحا قبل أن نأخذكم قسرا فيقولون له: إن الماء عندنا كثير فلا نحتاج إلى ماء. فيقول لا أصدق حتى أبعث من عندي من يشرف عليه فان كان كثيرا انصرفت عنكم، فيقولون: ابعث من يشرف عليه، فيرسل رجالا من جيشه معهم رماح مجوفة محشوة سما، فإذا دخلوا الحصن الّذي قد أعياه ساطوا ذلك الماء بتلك الرماح على أنهم يفتشونه ويعرفون قدره، فينفتح ذلك السم ويستقر في ذلك الماء فيكون سبب هلاكهم وهم لا يشعرون لعنه الله لعنة تدخل معه قبره. وكان شيخا كبيرا قد أسن وكان يميل إلى دين النصارى ولكن لا يمكنه الخروج من حكم جنكيزخان في الياساق.
قال الشيخ قطب الدين اليونينى: وقد رأيته ببعلبكّ حين حاصر قلعتها، وكان شيخا حسنا له لحية طويلة مسترسلة قد ضفرها مثل الدبوقة، وتارة يعلقها من خلفه باذنه، وكان مهيبا شديد السطوة، قال وقد دخل الجامع فصعد المنارة ليتأمل القلعة منها، ثم خرج من الباب الغربي فدخل دكانا خرابا فقضى حاجته والناس ينظرون إليه وهو مكشوف العورة، فلما فرغ من حاجته مسحه بعض أصحابه بقطن ملبد مسحة واحدة. قال ولما بلغه خروج المظفر بالعساكر من مصر تلوم في أمره وحار ماذا يفعل، ثم حملته نفسه الأبية على لقائه، وظن أنه منصور على جاري عادته، فحمل يومئذ على الميسرة فكسرها ثم أيد الله المسلمين وثبتهم في المعركة فحملوا حملة صادقة على التتار فهزموهم هزيمة لا تجبر أبدا، وقتل أميرهم كتبغانوين في المعركة وأسر ابنه، وكان شابا حسنا، فأحضر بين يدي المظفر قطز فقال له أهرب أبوك؟ قال إنه لا يهرب، فطلبوه فوجدوه بين القتلى، فلما رآه ابنه صرخ وبكى، فلما تحققه المظفر سجد لله تعالى ثم قال: أنام طيبا. كان هذا سعادة التتار وبقتله ذهب سعدهم، وهكذا كان كما قال ولم يفلحوا بعده أبدا، وكان قتله يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، وكان الّذي قتله الأمير آقوش الشمسى ﵀.
[الشيخ محمد الفقيه اليونينى]
الحنبلي البعلبكي الحافظ، هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أبى الرجال أحمد بن على ابن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصادق، كذا نقل هذه النسبة الشيخ قطب الدين اليونينى من خط أخيه الأكبر أبى الحسين على وأخبره أن والده قال له نحن من سلالة