منزلته ببذلها. ويعود على حاله كما كان مباشره لما بذلها، فليحذر العبد الدنيا فإنها خداعة غرارة تسترق فحول العلماء والعباد، وقد وقع ابن الجوزي فيما بعد فيما وقع فيه السهروردي وأعظم. وفيها قصدت الفرنج حمص وعبروا على العاصي يجسر عدوة، فلما عرف بهم العساكر ركبوا في آثارهم فهربوا منهم فقتلوا خلقا كثيرا منهم وغنم المسلمون منهم غنيمة جيدة ولله الحمد.
وفيها قتل صاحب الجزيرة، وكان من أسوأ الناس سيرة وأخبثهم سريرة، وهو الملك سنجر شاه بن غازى بن مودود بن زنكي بن آقسنقر الأتابكى، ابن عم نور الدين صاحب الموصل، وكان الّذي تولى قتله ولده غازى، توصل إليه حتى دخل عليه وهو في الخلاء سكران، فضربه بسكين أربع عشرة ضربة، ثم ذبحه، وذلك كله ليأخذ الملك من بعده فحرمه الله إياه، فبويع بالملك لأخيه محمود وأخذ غازى القاتل فقتله من يومه، فسلبه الله الملك والحياة، ولكن أراح الله المسلمين من ظلم أبيه وغشمه وفسقه.
[وفيها توفى من الأعيان.]
[أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار]
ابن على الواسطي المعروف بابن السنداى، آخر من روى المسند عن أحمد بن الحصين، وكان من بيت فقه وقضاء وديانة، وكان ثقة عدلا متورعا في النقل، ومما أنشده من حفظه:
ولو أن ليلى مطلع الشمس دونها … وكانت من وراء الشمس حين تغيب
لحدثت نفسي بانتظار نوالها … وقال المنى لي: إنها لقريب
[قاضى القضاة بمصر]
صدر الدين عبد الملك بن درباس المارداني الكردي والله أعلم.
[ثم دخلت سنة ست وستمائة]
في المحرم وصل نجم الدين خليل شيخ الحنفية من دمشق إلى بغداد في الرسلية عن العادل، ومعه هدايا كثيرة، وتناظر هو وشيخ النظامية مجد الدين يحيى بن الربيع في مسألة وجوب الزكاة في مال اليتيم والمجنون، وأخذ الحنفي يستدل على عدم وجوبها، فاعترض عليه الشافعيّ فأجاد كل منهما في الّذي أورده، ثم خلع على الحنفي وأصحابه بسبب الرسالة، وكانت المناظرة بحضرة نائب الوزير ابن شكر. وفي يوم السبت خامس جمادى الآخرة وصل الجمال يونس بن بدران المصري رئيس الشافعية بدمشق إلى بغداد في الرسلية عن العادل، فتلقاه الجيش مع حاجب الحجاب، ودخل معه ابن أخى صاحب إربل مظفر الدين كوكرى، والرسالة تتضمن الاعتذار عن صاحب إربل والسؤال في الرضا عنه، فأجيب إلى ذلك. وفيها ملك العادل الخابور ونصيبين وحاصر مدينة سنجار مدة فلم يظفر بها ثم صالح صاحبها ورجع عنها.