للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وما حاجتك؟ قال أن ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمت عين، فرفع إزاره، فقال صلة: هذا أمثل مما أردتم لو شتمتموه لشتمكم. ومنها ما حكاه جعفر بن زيد قال: خرجنا في غزاة وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فقلت لأرمقن عمله الليلة، فدخل غيضة ودخلت في أثره فقام يصلى وجاء الأسد حتى دنا منه وصعدت أنا في شجرة، قال فتراه التفت أوعده جروا حتى سجد فقلت:

الآن يفترسه، فجلس ثم سلم فقال: أيها السبع إن كنت أمرت بشيء فافعل وإلا فاطلب الرزق من مكان آخر، فولى الأسد وإن له لزئيرا تصدع منه الجبال، فلما كان عند الصباح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال: اللهمّ إني أسألك أن تجيرني من النار، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة. ثم رجع إلى الجيش فأصبح كأنه بات على الحشا، وأصبحت وبى من الفترة شيء الله به عليم.

قال: وذهبت بغلته بثقلها فقال: اللهمّ إني أسألك أن ترد على بغلتي بثقلها، فجاءت حتى قامت بين يديه، قال: فلما التقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر فصنعنا بهم طعنا وضربا، فقال العدو: رجلان من العرب صنعا بنا هذا فكيف لو قاتلونا كلهم؟ أعطوا المسلمين حاجتهم - يعنى انزلوا على حكمهم - وقال صله: جعت مرة في غزاة جوعا شديدا فبينما أنا أسير أدعو ربى وأستطعمه، إذ سمعت وجبة من خلفي فالتفت فإذا أنا بمنديل أبيض فإذا فيه دوخلة ملآنة رطبا فأكلت منه حتى شبعت، وأدركنى المساء فملت إلى دير راهب فحدثته الحديث فاستطعمنى من الرطب فأطعمته، ثم إني مررت على ذلك الراهب بعد زمان فإذا نخلات حسان فقال: إنهن لمن الرطبات التي أطعمتني، وجاء بذلك المنديل إلى امرأته فكانت تريه للناس، ولما أهديت معاذة إلى صلة أدخله ابن أخيه الحمام ثم أدخله بيت العروس بيتا مطيبا فقام يصلى فقامت تصلى معه، فلم يزالا يصليان حتى برق الصبح، قال:

فأتيته فقلت له: أي عم أهديت إليك ابنة عمك الليلة فقمت تصلى وتركتها؟ قال: إنك أدخلتنى بيتا أول النهار أذكرتنى به النار، وأدخلتنى بيتا آخر النهار أذكرتنى به الجنة، فلم تزل فكرتي فيهما حتى أصبحت، البيت الّذي أذكره به النار هو الحمام، والبيت الّذي أذكره به الجنة هو بيت العروس.

وقال له رجل: أدعو الله لي: فقال رغبك الله فيما يبقى، وزهدك فيما يفنى، ورزقك اليقين الّذي لا يركن إلا إليه، ولا يعول في الدين إلا عليه. وكان صلة في غزاة ومعه ابنه فقال له: أي بنى تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قتل، ثم تقدم صله فقاتل حتى قتل، فاجتمع النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحبا بكن، وإن كنتن جئتن لتعزيننى فارجعن، توفى صلة في غزاة هو وابنه نحو بلاد فارس في هذه السنة.

[زهير بن قيس البلوى]

شهد فتح مصر وسكنها، له صحبة، قتلته الروم ببرقة من بلاد المغرب، وذلك أن الصريخ أتى

<<  <  ج: ص:  >  >>