للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم هلك عقيبها. مات في شوال من هذه السنة عن سبع أو ثمان وأربعين سنة، وحمل إلى مشهد على فدفن فيه، وكان فيه رفض وتشيع، وقد كتب على قبره في تربته عند مشهد على: هذا قبر عضد الدولة، وتاج المملكة، أبى شجاع بن ركن الدولة، أحب مجاورة هذا الامام المتقى لطمعه في الخلاص ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها﴾ والحمد لله وصلواته على محمد وعترته الطاهرة. وقد تمثل عند موته بهذه الأبيات وهي للقاسم بن عبيد الله:

قتلت صناديد الرجال فلم أدع … عدوا ولم أمهل على ظنه خلقا

وأخليت در الملك من كان باذلا … فشردتهم غربا وشردتهم شرقا

فلما بلغت النجم عزا ورفعة … وصارت رقاب الخلق اجمع لي رقا

رماني الردى سهما فأخمد جمرتى … فها أنا ذا في حفرتي عاطلا ملقى

فأذهبت دنياي وديني سفاهة … فمن ذا الّذي منى بمصرعه أشقى؟

ثم جعل يكرر هذه الأبيات وهذه الآية ﴿ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ﴾ إلى أن مات. وأجلس ابنه صمصامة على الأرض وعليه ثياب السواد، وجاءه الخليفة معزيا وناح النساء عليه في الأسواق حاسرات عن وجوههن أياما كثيرة، ولما انقضى العزاء ركب ابنه صمصامة إلى دار الخلافة فخلع عليه الخليفة سبع خلع وطوقه وسوره وألبسه التاج ولقبه شمس الدولة، وولاه ما كان يتولاه أبوه، وكان يوما مشهودا.

[محمد بن جعفر]

ابن أحمد بن جعفر بن الحسن بن وهب أبو بكر الجريريّ المعروف بزوج الحرة، سمع ابن جرير والبغوي وابن أبى داود وغيرهم، وعنه ابن رزقويه وابن شاهين والبرقاني، وكان أحد العدول الثقات جليل القدر. وذكر ابن الجوزي والخطيب سبب تسميته بزوج الحرة أنه كان يدخل إلى مطبخ أبيه بدار مولاته التي كانت زوجة المقتدر بالله، فلما توفى المقتدر وبقيت هذه المرأة سالمة من الكتاب والمصادرات وكانت كثيرة الأموال، وكان هذا غلاما شابا حدث السن يحمل شيئا من حوائج المطبخ على رأسه فيدخل به إلى مطبخها مع جملة الخدم، وكان شابا رشيقا حركا، فنفق على القهرمانة حتى جعلته كاتبا على المطبخ، ثم ترقى إلى أن صار وكيلا للست على ضياعها، ينظر فيها وفي أموالها، ثم آل به الحال حتى صارت الست تحدثه من وراء الحجاب، ثم علقت به وأحبته وسألته أن يتزوج بها فاستصغر نفسه وخاف من غائلة ذلك فشجعته هي وأعطته أموالا كثيرة ليظهر عليه الحشمة والسعادة مما يناسبها ليتأهل لذلك، ثم شرعت تهادى القضاة والأكابر، ثم عزمت على تزويجه ورضيت به عند حضور القضاة، واعترض أولياؤها عليها فغلبتهم بالمكارم والهدايا، ودخل عليها فمكثت معه دهرا طويلا ثم ماتت قبله فورث منها نحو ثلاثمائة ألف دينار، وطال عمره بعدها حتى كانت وفاته في هذه السنة

<<  <  ج: ص:  >  >>