أو لم وَلَوْ بِشَاةٍ» قَالَ فَكَثُرَ مَالُهُ حَتَّى قَدِمَتْ لَهُ سَبْعُمِائَةُ رَاحِلَةٍ تَحْمِلُ الْبُرَّ وَتَحْمِلُ الدَّقِيقَ وَالطَّعَامَ، قَالَ:
فَلَمَّا دَخَلَتِ الْمَدِينَةَ سُمِعَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ رَجَّةٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا هَذِهِ الرَّجَّةُ؟ فَقِيلَ لَهَا عِيرٌ قَدِمَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَبْعُمِائَةٍ تَحْمِلُ الْبُرَّ وَالدَّقِيقَ وَالطَّعَامَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «يَدْخُلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الجنة حبوا» فلما بلغ عبد الرحمن ذلك قَالَ: أُشْهِدُكِ يَا أُمَّهْ أَنَّهَا بِأَحْمَالِهَا وَأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ ثَنَا عُمَارَةُ- هُوَ ابْنَ زَاذَانَ- عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَمَا عَائِشَةُ فِي بَيْتِهَا إِذْ سَمِعَتْ صوتا في المدينة قالت:
مَا هَذَا؟ قَالُوا عِيرٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَدِمَتْ مِنَ الشَّامِ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ- قَالَ وَكَانَتْ سَبْعَمِائَةِ بَعِيرٍ- قَالَ فَارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ مِنَ الصَّوْتِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَدْ رَأَيْتُ عبد الرحمن ابن عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا» فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرحمن بن عوف فقال: لئن استطعت لأدخلها قَائِمًا، فَجَعَلَهَا بِأَقْتَابِهَا وَأَحْمَالِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ الصَّيْدَلَانِيُّ وهو ضعيف. وأما قوله فِي سِيَاقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ: إِنَّهُ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَغَلَطٌ مَحْضٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الَّذِي آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِنَّمَا هُوَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَرَاءَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ، وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تُبَارَى. وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى لِكُلِّ رَجُلٍ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ بِدْرٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ- وَكَانُوا مِائَةً- فَأَخَذُوهَا حَتَّى عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَقَالَ عَلِيٌّ: اذْهَبْ يَا ابْنَ عَوْفٍ فقد أدركت صفوها، وسبقت زيفها وَأَوْصَى لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ حَتَّى كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ السَّلْسَبِيلِ.
وَأَعْتَقَ خَلْقًا مِنْ مَمَالِيكِهِ ثُمَّ تَرَكَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ مَالًا جَزِيلًا، مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ قُطِعَ بِالْفُئُوسِ حَتَّى مَجَلَتْ أَيْدِي الرِّجَالِ، وَتَرَكَ أَلْفَ بَعِيرٍ وَمِائَةَ فَرَسٍ، وَثَلَاثَةَ آلَافِ شَاةٍ تَرْعَى بِالْبَقِيعِ، وَكَانَ نِسَاؤُهُ أَرْبَعًا فَصُولِحَتْ إِحْدَاهُنَّ مِنْ رُبْعِ الثَّمَنِ بِثَمَانِينَ أَلْفًا، وَلَمَّا مَاتَ صَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَحَمَلَ فِي جِنَازَتِهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ أبيض مشربا حمرة حسن الوجه، دقيق الْبَشَرَةِ، أَعْيَنَ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، أَقْنَى، لَهُ جَمَّةٌ، ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ، غَلِيظَ الْأَصَابِعِ، لَا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ
وَاسْمُهُ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَسْلَمَ قَدِيمًا بِمَكَّةَ فَكَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَامِسَ خَمْسَةٍ.
وَقِصَّةُ إِسْلَامِهِ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ حَيَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ وَقَوْمِهِ، فَكَانَ هُنَاكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَهَاجَرَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ ثُمَّ لَزِمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرًا وَسَفَرًا، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، وَجَاءَ فِي فَضْلِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute