ثم سار السلطان إلى قلعة طبرية فأخذها، وَقَدْ كَانَتْ طَبَرِيَّةُ تُقَاسِمُ بِلَادَ حَوْرَانَ وَالْبَلْقَاءَ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْجُولَانِ وَتِلْكَ الْأَرَاضِي كُلَّهَا بِالنِّصْفِ، فَأَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تِلْكَ الْمُقَاسَمَةِ، ثم سار السلطان إلى حطين فزار قبر شعيب، ثم ارتفع منه إلى إقليم الأردن، فتسلم تلك البلاد كلها، وهي قرى كثيرة كبار وصغار، ثُمَّ سَارَ إِلَى عَكًّا فَنَزَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَلْخَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، فَافْتَتَحَهَا صُلْحًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَخَذَ مَا كَانَ بِهَا مِنْ حَوَاصِلَ الملوك وأموالهم وذخائرهم ومتاجر وغيرها، وَاسْتَنْقَذَ مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ، فوجد فيها أربعة آلاف أسير، ففرج الله عنهم، وأمر بإقامة الجمعة بها، وكانت أول جمعة أقيمت بالساحل بعد أخذه الفرنج، نحوا من سبعين سنة. ثم سار مِنْهَا إِلَى صَيْدَا وَبَيْرُوتَ وَتِلْكَ النَّوَاحِي مِنَ السواحل يأخذها بلدا بلدا، لخلوها من المقاتلة والملوك، ثم رجع سائرا نَحْوَ غَزَّةَ وَعَسْقَلَانَ وَنَابُلُسَ وَبَيْسَانَ وَأَرَاضِي الْغُورِ، فملك ذلك كله، واستناب عَلَى نَابُلُسَ ابْنَ أَخِيهِ حُسَامَ الدِّينِ عُمَرَ بن محمد بن لاشين، وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَهَا، وَكَانَ جُمْلَةُ مَا افْتَتَحَهُ السلطان في هذه المدة القريبة خمسين بلدا كبارا كل بلد له مقاتلة وقلعة ومنعة، وَغَنِمَ الْجَيْشُ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ شَيْئًا كثيرا، وسبوا خلقا.
ثم إن السلطان أمر جيوشه أن ترتع في هذه الأماكن مدة شهور ليستريحوا وتحمو أنفسهم وخيولهم لفتح بيت المقدس، وَطَارَ فِي النَّاسِ أَنَّ السُّلْطَانَ عَزَمَ عَلَى فتح بيت المقدس، فقصده العلماء والصالحون تطوعا، وجاءوا إليه، ووصل أَخُوهُ الْعَادِلُ بَعْدَ وَقْعَةِ حِطِّينَ وَفَتَحَ عَكَّا ففتح بنفسه حصونا كثيرة، فاجتمع من عبّاد الله ومن الجيوش شيء كثير جدا، فعند ذلك قصد السلطان القدس بمن معه كما سيأتي. وقد امتدحه الشعراء بسبب وقعة حطين فقالوا وأكثروا، وكتب إليه الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ دِمَشْقَ- وَهُوَ مُقِيمٌ بِهَا لمرض اعتراه- «ليهن المولى أن الله أقام به الدين، وكتب المملوك هذه الخدمة والرءوس لَمْ تُرْفَعْ مِنْ سُجُودِهَا، وَالدُّمُوعُ لَمْ تُمْسَحْ من خدودها، وكلما ذكر المملوك أن البيع تعود مَسَاجِدُ، وَالْمَكَانُ الَّذِي كَانَ يُقَالُ فِيهِ إِنَّ الله ثالث ثلاثة يقال فيه اليوم إِنَّهُ الْوَاحِدُ، جَدَّدَ للَّه شُكْرًا تَارَةً يَفِيضُ من لسانه، وتارة يفيض من جفنه سرورا بتوحيد الله، تعالى الملك الحق المبين، وأن يقال محمد رسول الله الصادق الأمين، وجزى الله يوسف خيرا من إخراجه من سجنه، والمماليك ينتظرون المولى وكل مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَمَّامَ بِدِمَشْقَ قَدْ عزم عَلَى دُخُولِ حَمَّامِ طَبَرِيَّةَ.