يا مولاي قد أعتقتنى فهب لي شيئا أعيش به فأعطاه أربعين ألفا، واشترى مرة خمسة عبيد فقام يصلى فقاموا خلفه يصلون فقال: لمن صليتم هذه الصلاة؟ فقالوا: لله! فقال: أنتم أحرار لمن صليتم له، فأعتقهم. والمقصود أنه ما مات حتى أعتق ألف رقبة، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفا، وكانت تمضى عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه لحما إلا وعلى يديه يتيم، وبعث اليه معاوية بمائة ألف لما أراد أن يبايع ليزيد، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء، وكان يقول: إني لا أسال أحدا شيئا، وما رزقني الله فلا أرده، وكان في مدة الفتنة لا يأتى أمير إلا صلى خلفه، وأدى إليه زكاة ماله، وكان أعلم الناس بمناسك الحج، وكان يتتبع آثار رسول الله ﷺ يصلى فيها، حتى أن النبي ﷺ نزل تحت شجرة وكان ابن عمر يتعاهدها ويصب في أصلها الماء، وكان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا تلك الليلة، وكان يقوم أكثر الليل، وقيل إنه مات وهو في الفضل مثل أبيه، وكان يوم مات خير من بقي، ومكث ستين سنة يفتى الناس من سائر البلاد، وروى عن النبي ﷺ أحاديث كثيرة، وروى عن الصديق وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود وحفصة وعائشة وغيرهم، وعنه خلق منهم بنوه حمزة وبلال وزيد وسالم وعبد الله وعبيد الله وعمر إن كان محفوظا، وأسلم مولى أبيه وأنس بن سيرين والحسن وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وطاووس وعروة وعطاء وعكرمة ومجاهد وابن سيرين والزهري ومولاه نافع.
وثبت في الصحيح عن حفصة أن رسول الله ﷺ قال:«إن عبد الله رجل صالح لو كان يقوم الليل». وكان بعد يقوم الليل، وقال ابن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا ابن عمر. وقال جابر: ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها، إلا ابن عمر، وما أصاب أحد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجاته عند الله وإن كان عليه كريما، وقال سعيد بن المسيب:
مات ابن عمر يوم مات وما من الدنيا أحد أحب أن لقي الله بمثل عمله منه، وقال الزهري لا يعدل برأيه فإنه أقام بعد رسول الله ﷺ ستين سنة، فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر أصحابه ﵃. وقال مالك: بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة وأفتى في الإسلام ستين سنة، تقدم عليه وفود الناس من أقطار الأرض، قال الواقدي وجماعة: توفى ابن عمر سنة أربع وسبعين، وقال الزبير بن بكار وآخرون: توفى سنة ثلاث وسبعين والأول أثبت والله أعلم.
[عبيد بن عمير]
ابن قتادة بن سعد بن عامر بن خندع بن ليث، الليثي ثم الخندعى، أبو عاصم المكيّ قاضى أهل مكة، قال مسلم بن الحجاج. ولد في حياة النبي ﷺ، وقال غيره ورآه أيضا، وروى عن أبيه، وله صحبة، وعن عمر وعلى وأبى هريرة وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمر وأم سلمة وغيرهم،