للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فان أمير المؤمنين بكفه … مدار رحى الأرزاق دائبة تجرى

فوقع له في رقعته جذبتك نفسك عن امتهانها، ودعتك إلى صونها فخذ ما طلبته هينا. وأجزل له العطاء. ومن شعره قوله: -

هي المقادير تجرى في أعنتها … فاصبر فليس لها صبر على حال

ومن شعر الواثق قوله:

تنح عن القبيح ولا ترده … ومن أوليته حسنا فزده

ستكفى من عدوك كل كيد … إذا كاد العدو ولم تكده

وقال القاضي يحيى بن أكثم: ما أحسن أحد من خلفاء بنى العباس إلى آل أبى طالب ما أحسن إليهم الواثق: ما مات وفيهم فقير. ولما احتضر جعل يردد هذين البيتين:

الموت فيه جميع الخلق مشترك … لا سوقة منهم يبقى ولا ملك

ما ضر أهل قليل في تفاقرهم … وليس يغنى عن الأملاك ما ملكوا

ثم أمر بالبسط فطويت ثم ألصق خده بالأرض وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه. وقال بعضهم: لما احتضر الواثق ونحن حوله غشي عليه فقال بعضنا لبعض: انظروا هل قضى؟ قال: فدنوت من بينهم إليه لأنظر هل هدأ نفسه، فأفاق فلحظ إلى بعينه فرجعت القهقرى خوفا منه، فتعلقت قائمة سيفي بشيء فكدت أن أهلك، فما كان عن قريب حتى مات وأغلق عليه الباب الّذي هو فيه وبقي فيه وحده واشتغلوا عن تجهيزه بالبيعة لأخيه جعفر المتوكل، وجلست أنا أحرس الباب فسمعت حركة من داخل البيت فدخلت فإذا جرذ قد أكل عينه التي لحظ إلى بها، وما كان حولها من الخدين.

وكانت وفاته بسر من رأى التي كان يسكنها في القصر الهاروني، في يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة من هذه السنة - أعنى سنة ثنتين وثلاثين ومائتين - عن ست وثلاثين سنة، وقيل ثنتين وثلاثين سنة، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام، وقيل خمس سنين وشهران وأحد وعشرين يوما، وصلى عليه أخوه جعفر المتوكل على الله والله أعلم.

[خلافة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم]

بويع له بالخلافة بعد أخيه الواثق وقت الزوال من يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة، وكانت الأتراك قد عزموا على تولية محمد بن الواثق فاستصغروه فتركوه وعدلوا إلى جعفر هذا، وكان عمره إذ ذاك ستا وعشرين سنة، وكان الّذي ألبسه خلعة الخلافة أحمد بن أبى دؤاد القاضي، وكان هو أول من سلم عليه بالخلافة وبايعه الخاصة والعامة، وكانوا قد اتفقوا على تسميته بالمنتصر بالله،

<<  <  ج: ص:  >  >>