الظَّهِيرِ، وُلِدَ بِإِرْبِلَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ أقام بدمشق ودرس بالقايمازية وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَكَانَ بَارِعًا فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي النَّظْمِ وَلَهُ دِيوَانٌ مَشْهُورٌ، وَشِعْرٌ رَائِقٌ، فَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
كُلُّ حَيٍّ إِلَى الْمَمَاتِ مَآبُهُ ... وَمَدَى عُمْرِهِ سَرِيعٌ ذَهَابُهْ
يُخْرِبُ الدَّارَ وَهْيَ دَارُ بَقَاءٍ ... ثُمَّ يَبْنِي مَا عَمَّا قَرِيبٍ خَرَابُهْ
عَجَبًا وَهْوَ فِي التُّرَابِ غَرِيقٌ ... كَيْفَ يُلْهِيهِ طِيبُهُ وَعِلَابُهْ؟
كُلُّ يوم يزيد نقصا وإن عمر ... حَلَّتْ أَوْصَالَهُ أَوْصَابُهْ
وَالْوَرَى فِي مَرَاحِلِ الدَّهْرِ رَكْبٌ ... دَائِمُ السَّيْرِ لَا يُرْجَى إِيَابُهْ
فَتَزَوَّدْ إِنَّ التُّقَى خَيْرُ زَادٍ ... وَنَصِيبُ اللَّبِيبِ مِنْهُ لبابة
وأخو العقل من يقضى بصدق ... شيبته فِي صَلَاحِهِ وَشَبَابَهْ
وَأَخُو الْجَهْلِ يَسْتَلِذُّ هَوَى النفس ... فَيَغْدُو شَهْدًا لَدَيْهِ مُصَابُهْ
وَهِيَ طَوِيلَةٌ جِدًّا قَرِيبَةٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ بَيْتًا، وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ شِعْرِهِ الْحَسَنِ الْفَائِقِ الرَّائِقِ.
ابْنُ إِسْرَائِيلَ الْحَرِيرِيُّ
مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارِ بْنِ إِسْرَائِيلَ بْنِ الْخَضِرِ بْنِ إِسْرَائِيلَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي الشَّيْبَانِيُّ الدمشقيّ، ولد في يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ، وَصَحِبَ الشَّيْخَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي الحسن بن منصور اليسرى الْحَرِيرِيَّ، فِي سَنَةِ ثَمَانَ عَشْرَةَ، وَكَانَ قَدْ لَبِسَ الْخِرْقَةَ قَبْلَهُ مِنَ الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَجْلَسَهُ فِي ثَلَاثِ خَلَوَاتٍ، وَكَانَ ابْنُ إِسْرَائِيلَ يَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَهُ قَدِمُوا الشَّامَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَاسْتَوْطَنُوا دِمَشْقَ، وَكَانَ أَدِيبًا فَاضِلًا فِي صِنَاعَةِ الشِّعْرِ، بَارِعًا فِي النَّظْمِ، وَلَكِنْ فِي كَلَامِهِ وَنَظْمِهِ مَا يشير به إلى نوع الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ الْفَارِضِ وَشَيْخِهِ الْحَرِيرِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ وَحَقِيقَةِ أَمْرِهِ. تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ الرَّابِعَ عَشَرَ من ربيع الآخر هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ الشَّيْخِ رِسْلَانَ مَعَهُ دَاخِلَ الْقُبَّةِ، وَكَانَ الشَّيْخُ رِسْلَانُ شَيْخَ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمُغَرْبِلِ الَّذِي تَخَرَّجَ عَلَى يَدَيْهِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْحَرِيرِيُّ شَيْخُ ابْنِ إِسْرَائِيلَ، فَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
لَقَدْ عَادَنِي من لا عج الشَّوْقِ عَائِدُ ... فَهَلْ عَهْدُ ذَاتِ الْخَالِ بِالسَّفْحِ عَائِدُ؟
وَهَلْ نَارُهَا بِالْأَجْرَعِ الْفَرْدِ تَعْتَلِي ... لِمُنْفَرِدٍ شَابَ الدُّجَى وَهْوَ شَاهِدُ؟
نَدِيمَيَّ مِنْ سُعْدَى أَدِيرَا حَدِيثَهَا ... فَذِكْرَى هَوَاهَا وَالْمُدَامَةُ وَاحِدُ
مُنَعَّمَةُ الأطراف رقت محاسنا ... حلى لي في حبها ما أكابد