إن تمس دار ابن أروى منه خاوية … باب صريع وباب محرق خرب
فقد يصادف باغي العرف حاجته … فيها ويأوى إليها المجد والحسب
يا معشر الناس ابدوا ذات أنفسكم … لا يستوي الصدق عند الله والكذب
وقال الفرزدق
إن الخلافة لما أظعنت ظعنت … عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا
صارت إلى أهلها منهم ووارثها … لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا
السافكى دمه ظلما ومعصية … أي دم لا هدوا من غيّتهم سفكوا] (١)
وقال راعى الإبل النميري في ذلك:
عشية يدخلون بغير إذن … على متوكل أوفى وطابا
خليل محمد ووزير صدق … ورابع خير من وطئ الترابا
[فصل]
إن قال قائل كيف وقع قتل عثمان ﵁ بالمدينة وفيها جماعة من كبار الصحابة ﵃؟ فجوابه من وجوه (أحدها) أن كثيرا منهم بل أكثرهم أو كلهم لم يكن يظن أنه يبلغ الأمر إلى قتله، فان أولئك الأحزاب لم يكونوا يحاولون قتله عينا، بل طلبوا منه أحد أمور ثلاثة إما أن يعزل نفسه، أو يسلم إليهم مروان بن الحكم، أو يقتلوه، فكانوا يرجون أن يسلم إلى الناس مروان، أو أن يعزل نفسه ويستريح من هذه الضائقة الشديدة. وأما القتل فما كان يظن أحد أنه يقع، ولا أن هؤلاء يجترءون عليه إلى ما هذا حده، حتى وقع ما وقع والله أعلم. - الثاني - أن الصحابة مانعوا دونه أشد الممانعة، ولكن لما وقع التضييق الشديد، عزم عثمان على الناس أن يكفوا أيديهم ويغمدوا أسلحتهم ففعلوا، فتمكن أولئك مما أرادوا، ومع هذا ما ظن أحد من الناس أنه يقتل بالكلية - الثالث - أن هؤلاء الخوارج لما اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في أيام الحج، ولم تقدم الجيوش من الآفاق للنصرة، بل لما اقترب مجيئهم، انتهزوا فرصتهم، قبحهم الله، وصنعوا ما صنعوا من الأمر العظيم - الرابع - أن هؤلاء الخوارج كانوا قريبا من ألفى مقاتل من الأبطال، وربما لم يكن في أهل المدينة هذه العدة من المقاتلة، لأن الناس كانوا في الثغور وفي الأقاليم في كل جهة، ومع هذا كان كثير من الصحابة اعتزل هذه الفتنة ولزموا بيوتهم، ومن كان يحضر منهم المسجد لا يجيء إلا ومعه السيف، يضعه على حبوته إذا احتبى، والخوارج محدقون بدار عثمان ﵁، وربما
(١) زيادة من تاريخ البدر العيني نقلها في سياق عبارة ابن كثير.