للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل الصلاة فيقف على مجامع الناس فيقول: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاِخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً﴾ و ﴿يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ﴾ ثم ينتقل إلى جماعة أخرى ثم إلى أخرى، حتى يدخل المسجد فيصلي فيه الجمعة ثم لا يخرج منه حتى يصلى العشاء الآخرة.

وقد وعظ مرة هارون الرشيد بكلام حسن فقال: اعلم أن الله سائلك عن أمة نبيه فأعد لذلك جوابا، وقد قال عمر بن الخطاب لو ماتت سخلة بالعراق ضياعا لخشيت أن يسألنى الله عنها. فقال الرشيد: إني لست كعمر، وإن دهري ليس كدهره. فقال: ما هذا بمغن عنك شيئا. فأمر له بثلاثمائة دينار، فقال: أنا رجل من أهل الصفة فمر بها فلتقسم عليهم وأنا واحد منهم.

[ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائة]

فيها في صفر منها أمر الأمين الناس أن لا يتعاملوا بالدراهم والدنانير التي عليها اسم أخيه المأمون ونهى أن يدعى له على المنابر، وأن يدعى له ولولده من بعده: وفيها تسمى المأمون بإمام المؤمنين.

وفي ربيع الآخر فيها عقد الأمين لعلى بن عيسى بن ماهان الامارة على الجبل وهمدان وأصبهان وقم وتلك البلاد، وأمره بحرب المأمون وجهز معه جيشا كثيرا، وأنفق فيها نفقات عظيمة، وأعطاه مائتي ألف دينار، ولولده خمسين ألف دينار وألفى سيف محلى، وستة آلاف ثوب للخلع. فخرج على بن موسى بن ماهان من بغداد في أربعين ألف مقاتل فارس، ومعه قيد من فضة ليأتى فيه بالمأمون.

وخرج الأمين معه مشيعا فسار حتى وصل الري فتلقاه الأمير طاهر في أربعة آلاف، فجرت بينهم أمور آل الحال فيها أن اقتتلوا، فقتل على بن عيسى وانهزم أصحابه وحمل رأسه وجثته إلى الأمير طاهر فكتب بذلك إلى وزير المأمون ذي الرئاستين، وكان الّذي قتل على بن عيسى رجل يقال له طاهر الصغير فسمى ذا اليمينين، لأنه أخذ السيف بيديه الثنتين فذبح به على بن عيسى بن ماهان، ففرح بذلك المأمون وذووه، وانتهى الخبر إلى الأمين وهو يصيد السمك من دجلة، فقال: ويحك دعني من هذا فان كوثرا قد صاد سمكتين. ولم أصد بعد شيئا. وأرجف الناس ببغداد وخافوا غائلة هذا الأمر، وندم محمد الأمين على ما كان منه من نكث العهد وخلع أخيه المأمون، وما وقع من الأمر الفظيع. وكان رجوع الخبر إليه في شوال من هذه السنة. ثم جهز عبد الرحمن بن جبلة الأنباري في عشرين ألفا من المقاتلة إلى همذان ليقاتلوا طاهر بن الحسين بن مصعب ومن معه من الخراسانية، فلما اقتربوا منهم تواجهوا فتقاتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى بينهم، ثم انهزم أصحاب عبد الرحمن ابن جبلة فلجئوا إلى همذان فحاصرهم بها طاهر حتى اضطرهم إلى أن دعوا إلى الصلح، فصالحهم وأمنهم ووفى لهم، وانصرف عبد الرحمن بن جبلة على أن يكون راجعا إلى بغداد، ثم غدروا بأصحاب

<<  <  ج: ص:  >  >>