الْمُسْتَحِثُّ عَلَى ذَلِكَ الْأَمِيرَ عَلَاءَ الدِّينِ أَيْدُغْمُشَ أحد أمراء الطبلخانات، بِمَرْسُومِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ صُلِّي عَلَى الْأَمِيرِ سَيْفِ الدين براق أمير أرجو بِجَامِعِ تَنْكِزَ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَكَانَ مَشْكُورَ السِّيرَةِ كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ مُحِبًّا لِلْخَيْرِ وَأَهْلِهِ، من أكبر أصحاب الشيخ تقى الدين بن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ رُسِمَ لِوَلَدَيْهِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَسَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ أَرْمَاحٍ، وَلِنَاصِرِ الدِّينِ بِمَكَانِ أَبِيهِ فِي الْوَظِيفَةِ بِإِصْطَبْلِ السُّلْطَانِ. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ رَابِعِ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى خُلِعَ عَلَى الْأَمِيرَيْنِ الْأَخَوَيْنِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَسَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ وَلَدَيِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بُرَاقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، بِأَمِيرَيْنِ عَشَرَتَيْنِ وَوَقَعَ فِي هَذَا الشَّهْرِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْحَنَابِلَةِ فِي مَسْأَلَةِ المناقلة، وكان ابن قاضى الجبل الحنبلي يَحْكُمَ بِالْمُنَاقَلَةِ فِي قَرَارِ دَارِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ طَيْدَمُرَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَاجِبِ الْحُجَّابِ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى يَجْعَلُهَا وَقْفًا عَلَى مَا كَانَتْ قَرَارُ دَارِهِ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ وَنَفَّذَهُ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيُّ وَالْمَالِكِيُّ، فَغَضِبَ الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَرْدَاوِيُّ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ ذَلِكَ، وَعَقْدَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَجَالِسَ، وَتَطَاوُلَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَادَّعَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمُنَاقَلَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَوْقُوفِ، فَأَمَّا الْمُنَاقَلَةُ لِمُجَرَّدِ الْمُصْلَحَةِ وَالْمَنْفَعَةِ الرَّاجِحَةِ فَلَا، وَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِ مَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْ طَرِيقِ ابنيه صَالِحٍ وَحَرْبٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهَا تَجُوزُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَةً مُفْرَدَةً وقفت عليها- يعنى الشيخ عماد الدين ابن كثير- فَرَأَيْتُهَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْإِفَادَةِ، بِحَيْثُ لَا يَتَخَالَجُ مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا مِمَّنْ يَذُوقُ طَعْمَ الْفِقْهِ أَنَّهَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَدِ احْتَجَّ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ بِمَا رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عوف عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يُحَوِّلَ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ بِالْكُوفَةِ إِلَى مَوْضِعِ سُوقِ التَّمَارِينَ، وَيَجْعَلَ السُّوقَ فِي مَكَانِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الْعَتِيقِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا فِيهِ أَوْضَحُ دَلَالَةٍ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِيهَا مِنَ النَّقْلِ بِمُجَرَّدِ الْمُصْلِحَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَى جَعْلِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ سُوقًا، عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَبَيْنَ عُمَرَ وَبَيْنَ الْقَاسِمِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَكِنْ قَدْ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ فِي ذَلِكَ، فَعُقِدَ الْمَجْلِسُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ ظَاهِرَ باب الفرج احترق فيه بِسَبَبِهِ قَيَاسِيرُ كَثِيرَةٌ لِطَازْ وَيَلْبُغَا، وَقَيْسَرِيَّةُ الطَّوَاشِيِّ لِبِنْتِ تَنْكِزَ، وَأُخَرُ كَثِيرَةٌ وَدُورٌ وَدَكَاكِينَ، وَذَهَبَ لِلنَّاسِ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالنُّحَاسِ وَالْبَضَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُقَاوِمُ أَلْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute