للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين عمر، ثم تسلموا ما في البلد من الأموال والحواصل فاقتسموا أربعة أخماسه فنال كل فارس ثلاثة آلاف وكل راجل ألف درهم.

[فتح السوس]

ثم ركب أبو سبرة في طائفة من الجيش ومعه أبو موسى الأشعري والنعمان بن مقرن، واستصحبوا معهم الهرمزان، وساروا في طلب المنهزمين من الفرس حتى نزلوا على السوس، فأحاطوا بها. وكتب أبو سبرة إلى عمر فجاء الكتاب بأن يرجع أبو موسى إلى البصرة، وأمر عمر زر بن عبد الله بن كليب العقيمى - وهو صحابى - أن يسير إلى جندسابور، فسار. ثم بعث أبو سبرة بالخمس وبالهرمزان مع وفد فيهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس، فلما اقتربوا من المدينة هيئوا الهرمزان بلبسه الّذي كان يلبسه من الديباج والذهب المكلل بالياقوت واللآلئ. ثم دخلوا المدينة وهو كذلك فتيمموا به منزل أمير المؤمنين، فسألوا عنه فقالوا: انه ذهب إلى المسجد بسبب وفد من الكوفة، فجاءوا المسجد فلم يروا أحدا فرجعوا، فإذا غلمان يلعبون فسألوهم عنه فقالوا: إنه نائم في المسجد متوسدا برنسا له.

فرجعوا إلى المسجد فإذا هو متوسد برنسا له كان قد لبسه للوفد، فلما انصرفوا عنه توسد البرنس ونام وليس في المسجد غيره، والدرة متعلقة في يده. فقال الهرمزان: أين عمر؟ فقالوا: هو ذا. وجعل الناس يخفضون أصواتهم لئلا ينبهوه، وجعل الهرمزان يقول: وأين حجابه؟ أين حرسه؟ فقالوا:

ليس له حجاب ولا حرس، ولا كاتب ولا ديوان. فقال: ينبغي أن يكون نبيا. فقالوا: بل يعمل عمل الأنبياء. وكثر الناس فاستيقظ عمر بالجلبة فاستوى جالسا، ثم نظر إلى الهرمزان، فقال:

الهرمزان؟ قالوا: نعم. فتأمله وتأمل ما عليه ثم قال: أعوذ بالله من النار وأستعين بالله. ثم قال: الحمد لله الّذي أذل بالإسلام هذا وأشياعه، يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين، واهتدوا بهدى نبيكم، ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غدارة. فقال له الوفد: هذا ملك الأهواز فكلمه. فقال: لا حتى لا يبقى عليه من حليته شيء. ففعلوا ذلك وألبسوه ثوبا صفيقا، فقال عمر: يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟ فقال: يا عمر: أنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم، إذ لم يكن معنا ولا معكم، فلما كان معكم غلبتمونا. فقال عمر: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا. ثم قال: ما عذرك وما حجتك في انقاضك مرة بعد مرة؟ فقال: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك. قال: لا تخف ذلك. فاستسقى الهرمزان ماء فأتى به في قدح [غليظ، فقال: لو مت عطشا لم أستطع أن أشرب في هذا. فأتى به في قدح] (١) آخر يرضاه فلما أخذه جعلت يده ترعد، وقال: إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب. فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه فأكفاه. فقال عمر:


(١) لم ترد في الحلبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>