بنحو من ثلاث سنين، وأقعد في آخر عمره فكان يحمل في محفة إلى الجامع وإلى دار الحديث النورية لإسماع الحديث، وانتفع به الناس مدة طويلة، ولما توفى حضر الناس جنازته ودفن عند أخيه الشيخ فخر الدين بن عساكر بمقابر الصوفية رحمه الله تعالى.
[الشيخ بيرم المارديني]
كان صالحا منقطعا محبا للعزلة عن الناس، وكان مقيما بالزاوية الغربية من الجامع، وهي التي يقال لها الغزالية، وتعرف بزاوية الدولعى وبزاوية القطب النيسابورىّ، وبزاوية الشيخ أبى نصر المقدسي، قاله الشيخ شهاب الدين أبو شامة، وكان يوم جنازته مشهودا، ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وعفا عنه بمنه وكرمه.
[ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وستمائة]
استهلت هذه السنة والملك الأشرف موسى بن العادل مقيم بالجزيرة مشغول فيها بإصلاح ما كان جلال الدين الخوارزمي قد أفسده من بلاده، وقد قدمت التتار في هذه السنة إلى الجزيرة وديار بكر فعاثوا بالفساد يمينا وشمالا، فقتلوا ونهبوا وسبوا على عادتهم خذلهم الله تعالى. وفيها رتب إمام بمشهد أبى بكر من جامع دمشق وصليت فيه الصلوات الخمس. وفيها درس الشيخ تقى الدين بن الصلاح الشهرزوريّ الشافعيّ في المدرسة الجوانية في جانب المارستان في جمادى الأولى منها.
وفيها درس الناصر ابن الحنبلي بالصالحية بسفح قاسيون التي أنشأتها الخاتون ربيعة خاتون بنت أيوب أخت ست الشام.
وفيها حبس الملك الأشرف الشيخ على الحريري بقلعة عزّتا. وفيها كان غلاء شديد بديار مصر وبلاد الشام وحلب والجزيرة بسبب قلة المياه السماوية والأرضية، فكانت هذه السنة كما قال الله تعالى ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾ وذكر ابن الأثير كلاما طويلا مضمونه خروج طائفة من التتار مرة أخرى من بلاد ما وراء النهر، وكان سبب قدومهم هذه السنة أن الإسماعيلية كتبوا إليهم يخبرونهم بضعف أمر جلال الدين بن خوارزم شاه. وأنه قد عادى جميع الملوك حوله حتى الخليفة، وأنه قد كسره الأشرف بن العادل مرتين، وكان جلال الدين قد ظهرت منه أفعال ناقصة تدل على قلة عقله، وذلك أنه توفى له غلام خصى يقال له قلج، وكان يحبه، فوجد عليه وجدا عظيما بحيث إنه أمر الأمراء أن يمشوا بجنازته فمشوا فراسخ، وأمر أهل البلد أن يخرجوا بحزن وتعداد عليه فتوانى بعضهم في ذلك فهم بقتلهم حتى تشفع فيهم بعض الأمراء ثم لم يسمح بدفن قلج فكان يحمل معه بمحفة، وكلما أحضر بين يديه طعام يقول احملوا هذا إلى قلج