قال: فلما مات دفنته وطلبت الحضور عند الخليفة، فلما أوقفت بين يديه قال: ما حاجتك؟ قلت: هذا الخاتم دفعه إليّ رجل وأمرني أن أدفعه إليك، وأوصاني بكلام أقوله لك، فلما نظر الخاتم عرفه فقال: ويحك وأين صاحب هذا الخاتم؟ قال فقلت: مات يا أمير المؤمنين. ثم ذكرت الكلام الّذي أوصاني به، وذكرت له أنه كان يعمل بالفاعل في كل جمعة يوما بدرهم وأربع دوانيق، أو بدرهم ودانق، يتقوت به سائر الجمعة، ثم يقبل على العبادة. قال: فلما سمع هذا الكلام قام فضرب بنفسه الأرض وجعل يتمرغ ويتقلب ظهرا لبطن ويقول: والله لقد نصحتني يا بني، ثم بكى، ثم رفع رأسه إلى الرجل وقال: أتعرف قبره؟ قلت: نعم أنا دفنته. قال: إذا كان العشي فائتني. قال: فأتيته فذهب الى قبره فلم يزل يبكي عنده حتى أصبح، ثم أمر لذلك الرجل بعشرة آلاف درهم. وكتب له ولعياله رزقا. وفيها مات:
[عبد الله بن مصعب]
ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، القرشي الأسدي، والد بكار. ألزمه الرشيد بولاية المدينة فقبلها بشروط عدل اشترطها، فأجابه إلى ذلك، ثم أضاف إليه نيابة اليمن، فكان من أعدل الولاة، وكان عمره يوم تولى نحوا من سبعين سنة.
[عبد الله بن عبد العزيز العمري (١)]
أدرك أبا طوالة، وروى عن أبيه وإبراهيم بن سعد، وكان عابدا زاهدا، وعظ الرشيد يوما فأطنب وأطيب. قال له وهو واقف على الصفا: أتنظركم حولها - يعني الكعبة - من الناس؟ فقال:
كثير. فقال: كل منهم يسأل يوم القيامة عن خاصة نفسه، وأنت تسأل عنهم كلهم. فبكى الرشيد بكاء كثيرا، وجعلوا يأتونه بمنديل بعد منديل ينشف به دموعه. ثم قال له: يا هارون إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر عليه، فكيف بمن يسرف في أموال المسلمين كلهم؟ ثم تركهم وانصرف والرشيد يبكي. وله معه مواقف محمودة غير هذه. توفي عن ست وستين سنة.
[ومحمد بن يوسف بن معدان]
أبو عبد الله الأصبهاني، أدرك التابعين، ثم اشتغل بالعبادة والزهادة. كان عبد الله بن المبارك يسميه عروس الزهاد. وقال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت أفضل منه، كان كأنه قد عاين.
وقال ابن مهدي: ما رأيت مثله، وكان لا يشتري خبزه من خباز واحد، ولا بقلة من بقال واحد، كان لا يشتري إلا ممن لا يعرفه، يقول: أخشى أن يحابوني فأكون ممن يعيش بدينه. وكان لا يضع جنبه للنوم صيفا ولا شتاء. ومات ولم يجاوز الأربعين سنة ﵀.
(١) واسمه عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.