وَسَارَ فِي النَّاسِ سِيرَةً حَسَنَةً، وَأَظْهَرَ صَرَامَةً لم ير مثلها. وحج بالناس الأمير المتقدم ذكره قبل ذلك.
[وفيها توفى من الأعيان]
إبراهيم بن صرا إسحاق بن أبى العينين وأبو إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ قَاضِي بَغْدَادَ بَعْدَ ابْنِ سَمَاعَةَ، سمع معلى بْنَ عُبَيْدٍ وَغَيْرَهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ تُوُفِّيَ عَنْ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وكان ثقة فاضلا دينا صالحا.
وأحمد بْنُ عِيسَى
أَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ أَحَدُ مَشَاهِيرِ الصُّوفِيَّةِ بِالْعِبَادَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ وَالْوَرَعِ وَالْمُرَاقَبَةِ، وَلَهُ تَصَانِيفُ فِي ذَلِكَ وَلَهُ كَرَامَاتٌ وَأَحْوَالٌ وَصَبْرٌ عَلَى الشدائد، وَرَوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ صَاحِبِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ المصري وجماعة. ومن جيد كلامه إِذَا بَكَتْ أَعْيُنُ الْخَائِفِينَ فَقَدْ كَاتَبُوا اللَّهَ بدموعهم.
وقال: العافية تستر البر والفاجر، فإذا نزل البلاء تبين عنده الرجال. وقال: كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل. وقال: الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت حاضر. وقال ذُنُوبُ الْمُقَرَّبِينَ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ.
وَقَالَ الرِّضَا قَبْلَ الْقَضَاءِ تَفْوِيضٌ، وَالرِّضَا مَعَ الْقَضَاءِ تَسْلِيمٌ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا» فَقَالَ يَا عَجَبًا لِمَنْ لَمْ يَرَ مُحْسِنًا غَيْرَ اللَّهِ كَيْفَ لَا يَمِيلُ إِلَيْهِ بِكُلِّيَّتِهِ؟ قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَكِنَّ كَلَامَهُ عَلَيْهِ من أحسن ما يكون. وَقَالَ ابْنُهُ سَعِيدٌ: طَلَبْتُ مِنْ أَبِي دَانِقَ فِضَّةٍ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ اصْبِرْ فَلَوْ أَحَبَّ أَبُوكَ أَنْ يَرْكَبَ الْمُلُوكُ إِلَى بَابِهِ مَا تأبوا عليه. وروى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَنِي مَرَّةً جُوعٌ شَدِيدٌ فَهَمَمْتُ أَنْ أَسْأَلَ اللَّهَ طَعَامًا فَقُلْتُ: هَذَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ فَهَمَمْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ صَبْرًا فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ يَقُولُ:
وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مِنَّا قَرِيبٌ ... وَأَنَّا لَا نُضَيِّعُ مَنْ أَتَانَا
وَيَسْأَلُنَا الْقِرَى جَهْدًا وَصَبْرًا ... كَأَنَّا لَا نَرَاهُ وَلَا يَرَانَا
قَالَ فَقُمْتُ وَمَشَيْتُ فَرَاسِخَ بِلَا زَادٍ. وقال: الْمُحِبُّ يَتَعَلَّلُ إِلَى مَحْبُوبِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَتَسَلَّى عَنْهُ بِشَيْءٍ يَتَّبِعُ آثَارَهُ وَلَا يَدَعُ اسْتِخْبَارَهُ ثُمَّ أَنْشَدَ:
أُسَائِلُكُمْ عَنْهَا فَهَلْ مِنْ مخبر ... فما لى بنعمى بعد مكة لي عِلْمُ
فَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي أَيْنَ خَيَّمَ أَهْلُهَا ... وأي بلاد الله إذ ظعنوا أموا
إذا لَسَلَكْنَا مَسْلَكَ الرِّيحِ خَلْفَهَا ... وَلَوْ أَصْبَحَتْ نُعْمَى وَمِنْ دُونِهَا النَّجْمُ
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ في سنة ست وثمانين، والأول أصح.
وفيها توفى عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانِ بْنِ ذكويه بن موسى الطيالسي الحافظ، تلقب رعاب، سَمِعَ عَفَّانَ وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الشافعيّ وغيره، ووثقه الدار قطنى. كانت وفاته في شوال منها عن أربع وثمانين سنة.
وفيها توفى. أَبُو حَاتِمِ الرَّازِيُّ