للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَزَالٌ أَسْوَدُ. وَفِي شَعْبَانَ مِنْهَا رَكِبَ الْمُقْتَدِرُ إلى باب الشماسية على الخليل ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى دَارِهِ فِي دِجْلَةَ- وَكَانَتْ أَوَّلَ رَكْبَةٍ رَكِبَهَا جَهْرَةً لِلْعَامَّةِ- وَفِيهَا اسْتَأْذَنَ الْوَزِيرُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْخَلِيفَةَ الْمُقْتَدِرَ فِي مُكَاتَبَةِ رَأْسِ الْقَرَامِطَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْحَسَنِ بْنِ بهرام الجنابي فأذن له، فكتب كِتَابًا طَوِيلًا يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، ويوبخه على ما يتعاطاه من ترك الصلاة والزكاة وَارْتِكَابِ الْمُنْكِرَاتِ، وَإِنْكَارِهِمْ عَلَى مَنْ يَذْكُرُ اللَّهَ وَيُسَبِّحُهُ وَيَحْمَدُهُ، وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِالدِّينِ وَاسْتِرْقَاقِهِمُ الْحَرَائِرَ، ثُمَّ تُوعَّدَهُ بِالْحَرْبِ وَتَهَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا سَارَ بِالْكِتَابِ نَحْوَهُ قُتِلَ أَبُو سَعِيدٍ قَبْلَ أَنْ يَصِلَهُ، قَتَلَهُ بَعْضُ خَدَمِهِ، وَعَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ سَعِيدٍ، فَغَلَبَهُ عَلَى ذَلِكَ أَخُوهُ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبَى سَعِيدٍ، فَلَمَّا قَرَأَ كتاب الوزير أَجَابَهُ بِمَا حَاصِلُهُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي تَنْسِبُ إِلَيْنَا مِمَّا ذَكَرْتُمْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَكُمْ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ مَنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا، وَإِذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ يَنْسِبُنَا إِلَى الْكُفْرِ باللَّه فَكَيْفَ يَدْعُونَا إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ؟ وَفِيهَا جِيءَ بِالْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَلَّاجِ إِلَى بَغْدَادَ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَلَى جَمَلٍ وَغُلَامٌ لَهُ رَاكِبٌ جَمَلًا آخَرَ، ينادى عليه: أَحَدُ دُعَاةِ الْقَرَامِطَةِ فَاعْرِفُوهُ، ثُمَّ حُبِسَ ثُمَّ جيء به إِلَى مَجْلِسِ الْوَزِيرِ فَنَاظَرَهُ فَإِذَا هُوَ لَا يقرأ القرآن ولا يعرف في الحديث ولا الفقه شيئا، ولا في اللغة ولا في الأخبار ولا في الشِّعْرِ شَيْئًا، وَكَانَ الَّذِي نُقِمَ عَلَيْهِ:

أَنَّهُ وُجِدَتْ لَهُ رِقَاعٌ يَدْعُو فِيهَا النَّاسَ إِلَى الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الرُّمُوزِ، يَقُولُ فِي مُكَاتَبَاتِهِ كَثِيرًا: تَبَارَكَ ذُو النُّورِ الشَّعْشَعَانِيِّ. فَقَالَ له الوزير: تَعَلُّمُكَ الطُّهُورَ وَالْفُرُوضَ أَجْدَى عَلَيْكَ مِنْ رَسَائِلَ لَا تَدْرِي مَا تَقُولُ فِيهَا، وَمَا أَحْوَجَكَ إِلَى الْأَدَبِ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ حَيًّا صَلْبَ الِاشْتِهَارِ لَا الْقَتْلِ، ثُمَّ أُنْزِلَ فَأُجْلِسَ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ، فَجَعَلَ يُظْهِرُ لَهُمْ أَنَّهُ عَلَى السُّنَّةِ، وَأَنَّهُ زَاهِدٌ، حَتَّى اغْتَرَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْخُدَّامِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الخلافة من الجهلة، حَتَّى صَارُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيَتَمَسَّحُونَ بِثِيَابِهِ. وَسَيَأْتِي ما صار إليه أمره حين قتل بإجماع الفقهاء وأكثر الصوفية. وَوَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي آخِرِهَا بِبَغْدَادَ وَبَاءٌ شَدِيدٌ جِدًّا مَاتَ بِسَبَبِهِ بِشْرٌ كَثِيرٌ، وَلَا سِيَّمَا بِالْحَرْبِيَّةِ غُلِّقَتْ عَامَّةُ دُورِهَا. وَحَجَّ بالناس فيها الأمير المتقدم ذكره.

[وفيها توفى من الأعيان.]

إبراهيم بن خالد الشافعيّ

جمع العلم والزهد، وهو من تلاميذ أبى بكر الإسماعيلي.

[جعفر بن محمد]

ابن الحسين بْنِ الْمُسْتَفَاضِ أَبُو بَكْرٍ الْفِرْيَابِيُّ قَاضِي الدِّينَوَرِ، طَافَ الْبِلَادَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَشَايِخِ الْكَثِيرِينَ، مِثْلِ قُتَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَعَنْهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي وَالنَّجَّادُ وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ وَخَلْقٌ، وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَادَ وَكَانَ ثِقَةً حَافِظًا حُجَّةً، وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، والمستملون عليه منهم فَوْقَ الثَّلَاثِمِائَةِ، وَأَصْحَابُ الْمَحَابِرِ نَحْوًا مِنْ عَشَرَةِ آلاف. توفى في المحرم منها عَنْ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْرًا قَبْلَ وَفَاتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>