للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممن توفى فيها أَبُو الْفُتُوحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ

الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ وَيُلَقَّبُ بِثَعْلَبٍ، اشْتَغَلَ فِي الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافِ وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:

جِسْمِي مَعِي غَيْرَ أَنَّ الرُّوحَ عِنْدَكُمُ ... فَالْجِسْمُ فِي غُرْبَةٍ وَالرُّوحُ فِي وَطَنِ

فَلْيَعْجَبِ النَّاسُ مِنِّي أَنَّ لِي بَدَنًا ... لَا رُوحَ فِيهِ وَلِي رُوحٌ بِلَا بَدَنِ

[أبو الفضل جبرائيل بن منصور]

ابن هِبَةِ اللَّهِ بْنِ جِبْرِيلَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ غَالِبِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مُوسَى بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ غَالِبِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ زُطِينَا الْبَغْدَادِيُّ كَاتِبُ الدِّيوَانِ بِهَا، أَسْلَمَ- وَكَانَ نَصْرَانِيًّا- فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ مِنْ أفصح الناس وأبلغهم موعظة، ومن ذَلِكَ قَوْلُهُ «خَيْرُ أَوْقَاتِكَ سَاعَةٌ صَفَتْ للَّه، وَخَلَصَتْ مِنَ الْفِكْرَةِ لِغَيْرِهِ وَالرَّجَاءِ لِسِوَاهُ، وَمَا دُمْتَ فِي خِدْمَةِ السُّلْطَانِ فَلَا تَغْتَرَّ بِالزَّمَانِ، اكْفُفْ كَفَّكَ وَاصْرِفْ طَرْفَكَ وَأَكْثِرْ صَوْمَكَ وَأَقْلِلْ نومك يؤمنك، وَاشْكُرْ رَبَّكَ يُحْمَدْ أَمْرُكَ.

وَقَالَ: زَادُ الْمُسَافِرِ يقدم على رحيله، فأعد الزاد تبلغ بالمعاد الْمُرَادَ وَقَالَ: إِلَى مَتَى تَتَمَادَى فِي الْغَفْلَةِ كَأَنَّكَ قَدْ أَمِنْتَ عَوَاقِبَ الْمُهْلَةِ، عُمْرُ اللَّهْوِ مَضَى وَعُمْرُ الشَّبِيبَةِ انْقَضَى، وَمَا حَصَلْتَ مِنْ رَبِّكَ عَلَى ثِقَةٍ بِالرِّضَا، وَقَدِ انْتَهَى بِكَ الْأَمْرُ إِلَى سِنِّ التَّخَاذُلِ وَزَمَنِ التَّكَاسُلِ، وَمَا حَظِيتَ بِطَائِلٍ. وَقَالَ:

رُوحُكَ تَخْضَعُ وَعَيْنُكَ لَا تدمع، وقلبك يخشع ونفسك تجشع، وَتَظْلِمُ نَفْسَكَ وَأَنْتَ لَهَا تَتَوَجَّعُ، وَتُظْهِرُ الزُّهْدَ في الدنيا وفي الحال تَطْمَعُ، وَتَطْلُبُ مَا لَيْسَ لَكَ بِحَقٍّ وَمَا وَجَبَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ لَا تَدْفَعُ، وَتَرُومُ فَضْلَ رَبِّكَ وَلِلْمَاعُونِ تَمْنَعُ، وَتَعِيبُ نَفْسَكَ الْأَمَّارَةَ وَهِيَ عَنِ اللَّهْوِ لَا تَرْجِعُ، وَتُوقِظُ الْغَافِلِينَ بِإِنْذَارِكَ وَتَتَنَاوَمُ عَنْ سَهْمِكَ وَتَهْجَعُ، وَتَخُصُّ غَيْرَكَ بِخَيْرِكَ وَنَفْسَكَ الْفَقِيرَةَ لَا تَنْفَعُ، وَتَحُومُ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتَ بِالْبَاطِلِ مُولَعٌ، وَتَتَعَثَّرُ فِي الْمَضَايِقِ وطرق النَّجَاةِ مَهْيَعٌ، وَتَتَهَجَّمُ عَلَى الذُّنُوبِ وَفِي الْمُجْرِمِينَ تشفع وَتُظْهِرُ الْقَنَاعَةَ بِالْقَلِيلِ وَبِالْكَثِيرِ لَا تَشْبَعُ، وَتُعَمِّرُ الدَّارَ الْفَانِيَةَ وَدَارُكَ الْبَاقِيَةُ خَرَابٌ بِلَقْعٌ، وَتَسْتَوْطِنُ فِي مَنْزِلِ رَحِيلٍ كَأَنَّكَ إِلَى رَبِّكَ لَا تَرْجِعُ، وَتَظُنُّ أَنَّكَ بِلَا رَقِيبٍ وَأَعْمَالُكَ إِلَى المراقب ترفع، تقدم عَلَى الْكَبَائِرِ وَعَنِ الصَّغَائِرِ تَتَوَرَّعُ، وَتُؤَمِّلُ الْغُفْرَانَ وَأَنْتَ عَنِ الذُّنُوبِ لَا تُقْلِعُ، وَتَرَى الْأَهْوَالَ مُحِيطَةً بِكَ وَأَنْتَ فِي مَيْدَانِ اللَّهْوِ تَرْتَعُ، وَتَسْتَقْبِحُ أَفْعَالَ الْجُهَّالِ وَبَابَ الْجَهْلِ تَقْرَعُ، وَقَدْ آن لك أن تأنف من التعنيف وَعَنِ الدَّنَايَا تَتَرَفَّعُ، وَقَدْ سَارَ الْمُخِفُّونَ وَتَخَلَّفْتَ فَمَاذَا تَتَوَقَّعُ» .

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ السَّاعِي لَهُ شعرا حسنا فمنه:

إن سهرت عيناك فِي طَاعَةٍ ... فَذَاكَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ نَوْمِ

أَمْسُكَ قَدْ فَاتَ بِعِلَّاتِهِ ... فَاسْتَدْرِكِ الْفَائِتَ فِي الْيَوْمِ

وَلَهُ

إِنَّ رَبًّا هَدَاكَ بَعْدَ ضَلَالٍ ... سُبُلَ الرُّشْدِ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>