المنصور، وأقبل عليه بعد ما كان قد أعرض عنه. وكان قد جرت بينهما قبل ذلك مكاتبات في ذلك كثيرة جدا، ومراودات في تمهيد البيعة لابنه المهدي وخلع عيسى نفسه، وأن العامة لا يعدلون بالمهديّ أحدا. وكذلك الأمراء والخواص. ولم يزل به حتى أجاب إلى ذلك مكرها، فعوضه عن ذلك ما ذكرنا، وسارت بيعة المهدي في الآفاق شرقا وغربا، وبعدا وقربا، وفرح المنصور بذلك فرحا شديدا، واستقرت الخلافة في ذريته إلى زماننا هذا، فلم يكن خليفة من بنى العباس إلا من سلالته ﴿ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾.
وفيها توفى عبيد الله بن عمر العمرى، وهاشم بن هاشم، وهشام بن حسان صاحب الحسن البصري.
[ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة]
فيها بعث المنصور حميد بن قحطبة لغزو الترك الذين عاثوا في السنة الماضية ببلاد تفليس، فلم يجد منهم أحدا فإنهم انشمروا إلى بلادهم. وحج بالناس فيها جعفر بن أبى جعفر، وثواب البلاد فيها هم المذكورون في التي قبلها. وفيها توفى جعفر بن محمد الصادق المنسوب إليه كتاب اختلاج الأعضاء وهو مكذوب عليه. [وفيها توفى سليمان بن مهران الأعمش أحد مشايخ الحديث في ربيع الأول منها (١)] وعمرو بن الحارث، والعوام بن حوشب، والزبيدي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى. ومحمد بن عجلان.
[ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائة]
فيها فرغ من بناء سور بغداد وخندقها. وفيها غزا الصائفة العباس بن محمد فدخل بلاد الروم ومعه الحسين بن قحطبة ومحمد بن الأشعث. ومات محمد بن الأشعث في الطريق. وفيها حج بالناس محمد بن إبراهيم بن على وولاه المنصور على مكة والحجاز عوضا عن عمه عبد الصمد بن على. وعمال الأمصار فيها هم الذين كانوا في السنة قبلها. وفيها توفى زكريا بن أبى زائدة، وكهمس بن الحسن، والمثنى بن الصباح. وعيسى بن عمر أبو عمرو الثقفي البصري النحويّ شيخ سيبويه. يقال إنه من موالي خالد بن الوليد، وإنما نزل في ثقيف فنسب إليهم. كان إماما كبيرا جليلا في اللغة والنحو والقراءات، أخذ ذلك عن عبيد الله بن كثير وابن المحيصن وعبد الله بن أبى إسحاق، وسمع الحسن البصري وغيرهم. وعنه الخليل بن أحمد والأصمعي وسيبويه، ولزمه وعرف به وانتفع به، وأخذ كتابه الّذي سماه بالجامع فزاد عليه وبسطه، فهو كتاب سيبويه اليوم، وإنما هو كتاب شيخه، وكان سيبويه يسأل شيخه الخليل بن أحمد عما أشكل عليه فيه، فسأله الخليل أيضا عما صنف عيسى بن عمر فقال: جمع بضعا وسبعين كتابا ذهبت كلها إلا كتاب الإكمال،