بعض الأحيان جيش المنصور ولم يبق إلا في عشرين نفسا. فقاتل بنفسه قتالا عظيما، فهزم أبا يزيد بعد ما كاد يقتله، وثبت المنصور ثباتا عظيما، فعظم في أعين الناس وزادت حرمته وهيبته، واستنقذ بلاد القيروان منه، وما زال يحاربه حتى ظفر به المنصور وقتله. ولما جيء برأسه سجد شكر الله. وكان أبو يزيد هذا قبيح الشكل أعرج قصيرا خارجيا شديدا يكفر أهل الملة.
وفي ذي الحجة منها قتل أبو الحسين البريدي وصلب ثم أحرق، وذلك أنه قدم بغداد يستنجد بتورون وأبى جعفر بن شيرزاد على ابن أخيه، فوعدوه النصر، ثم شرع يفسد ما بين تورون وابن شيرزاد، فعلم بذلك ابن شير زاد فأمر بسجنه وضربه، ثم أفتاه بعض الفقهاء بإباحة دمه، فأمر بقتله وصلبه ثم أحرقه، وانقضت أيام البريدية، وزالت دولتهم. وفيها أمر المستكفي بإخراج القاهر الّذي كان خليفة وأنزله دار ابن طاهر، وقد افتقر القاهر حتى لم يبق له شيء من اللباس سوى قطعة عباءة يلتف بها، وفي رجله قبقاب من خشب. وفيها اشتد البرد والحر. وفيها ركب معز الدولة في رجب منها إلى واسط فبلغ خبره إلى تورون فركب هو المستكفي، فلما سمع بهما رجع إلى بلاده وتسلمها الخليفة وضمنها أبو القاسم بن أبى عبد الله، ثم رجع تورون والخليفة إلى بغداد في شوال منها. وفيها ركب سيف الدولة على بن أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان إلى حلب فتسلمها من يأنس المؤنسي، ثم سار إلى حمص ليأخذها فجاءته جيوش الإخشيد محمد بن طغج مع مولاه كافور فاقتتلوا بقنسرين، فلم يظفر أحد منهما بصاحبه، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة، ثم عاد إلى حلب فاستقر ملكه بها، فقصدته الروم في جحافل عظيمة، فالتقى معهم فظفر بهم فقتل منهم خلقا كثيرا.
[ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة]
في المحرم زاد الخليفة في لقبه إمام الحق، وكتب ذلك على السكة المتعامل بها، ودعا له الخطباء على المنابر أيام الجمع. وفي المحرم منها مات تورون التركي في داره ببغداد، وكانت إمارته سنتين وأربعة أشهر وعشرة أيام. وكان ابن شيرزاد كاتبه، وكان غائبا بهيت لتخليص المال، فلما بلغه موته أراد أن يعقد البيعة لناصر الدولة بن حمدان فاضطربت الأجناد وعقدوا الرئاسة عليهم لابن شيرزاد فحضر ونزل بباب حرب مستهل صفر، وخرج إليه الأجناد كلهم وحلفوا له وحلف الخليفة والقضاة والأعيان، ودخل على الخليفة فخاطبه بأمير الأمراء، وزاد في أرزاق الجند وبعث إلى ناصر الدولة يطالبه بالخراج، فبعث إليه بخمسمائة ألف درهم وبطعام يفرقه في الناس، وأمر ونهى وعزل وولى، وقطع ووصل. وفرح بنفسه ثلاثة أشهر وعشرين يوما. ثم جاءت الأخبار بأن معز الدولة بن بويه قد أقبل في الجيوش قاصدا بغداد، فاختفى ابن شيرزاد والخليفة أيضا، وخرج إليه الأتراك قاصدين الموصل ليكونوا مع ناصر الدولة بن حمدان.