وسلموه إلى رجل فلم يزل يجأ خصيتيه ويطؤهما حتى مات ﵀. وذلك يوم الخميس لثنتى عشرة ليلة بقيت من رجب.
وكانت خلافته أقل من سنة بخمسة أيام، وكان مولده في سنة تسع عشرة، وقيل خمس عشرة ومائتين، وكان أسمر رقيقا أحنى حسن اللحية يكنى أبا عبد الله. وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد ودفن بمقبرة المنتصر بن المتوكل. قال الخطيب: وكان من أحسن الخلفاء مذهبا وأجودهم طريقة وأكثرهم ورعا وعبادة وزهادة. قال: وروى حديثا واحدا قال:
حدثني على بن هشام بن طراح عن محمد بن الحسن الفقيه عن ابن أبى ليلى - وهو داود بن على - عن أبيه عن ابن عباس قال قال العباس: يا رسول الله ما لنا في هذا الأمر؟ قال:«لي النبوة ولكم الخلافة، بكم يفتح هذا الأمر وبكم يختم» وقال للعباس: «من أحبك نالته شفاعتي، ومن أبغضك لا نالته شفاعتي». وروى.
الخطيب أن رجلا استعان المهتدي على خصمه فحكم بينهما بالعدل فأنشأ الرجل يقول:
حكمتموه فقضى بينكم … أبلج مثل القمر الزاهر
لا يقبل الرشوة في حكمه … ولا يبالي غبن الخاسر
فقال له المهتدي: أما أنت أيها الرجل فأحسن الله مقالتك، ولست أغتر بما قلت: وأما أنا فانى ما جلست مجلسى هذا حتى قرأت ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾ قال: فبكى الناس حوله فما رئي أكثر باكيا من ذلك اليوم. وقال بعضهم: سرد المهتدي الصوم من حين تولى إلى حين قتل ﵀. وكان يحب الاقتداء بما سلكه عمر بن عبد العزيز الأموي في خلافته من الورع والتقشف وكثرة العبادة وشدة الاحتياط، ولو عاش ووجد ناصرا لسار سيرته ما أمكنه، وكان من عزمه أن يبيد الأتراك الذين أهانوا الخلفاء وأذلوهم، وانتهكوا منصب الخلافة. وقال أحمد بن سعيد الأموي: كنا جلوسا بمكة وعندي جماعة ونحن نبحث في النحو وأشعار العرب، إذ وقف علينا رجل نظنه مجنونا فأنشأ يقول:
أما تستحيون الله يا معدن النحو … شغلتم بذا والناس في أعظم الشغل
إمامكم أضحى قتيلا مجندلا … وقد أصبح الإسلام مفترق الشمل
وأنتم على الأشعار والنحو عكّفا … تصيحون بالأصوات في أحسن السبل
قال فنظر وأرخنا ذلك اليوم فإذا المهتدي بالله قد قتل في ذلك اليوم، وهو يوم الاثنين لأربع عشرة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين.
[خلافة المعتمد على الله]
وهو أحمد بن المتوكل على الله ويعرف بابن فتيان، بويع بالخلافة يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة