وفي يوم الأربعاء في أواخر ذي القعدة أسس المهدي قصرا من لبن بعيساباذ، ثم عزم على الذهاب إلى الحج فأصابه حمى فرجع من أثناء الطريق، فعطش الناس في الرجعة حتى كاد بعضهم يهلك، فغضب المهدي على يقطين صاحب المصانع، وبعث من حيث رجع المهلب بن صالح بن أبى جعفر ليحج بالناس فحج بهم عامئذ. وفيها توفى شيبان بن عبد الرحمن النحويّ، وعبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون، ومبارك بن فضالة صاحب الحسن البصري.
[ثم دخلت سنة خمس وستين ومائة]
فيها جهز المهدي ولده الرشيد لغزو الصائفة، وأنفذ معه من الجيوش خمسة وتسعين ألفا وسبعمائة وثلاثة وتسعين رجلا، وكان معه من النفقة مائة ألف دينار، وأربعة وتسعون ألف دينار، وأربعمائة وخمسون دينارا، ومن الفضة إحدى وعشرون ألف ألف وأربعمائة ألف، وأربعة عشر ألفا وثمانمائة درهم. قاله ابن جرير. فبلغ بجنوده خليج البحر الّذي على القسطنطينية، وصاحب الرم يومئذ أغسطة امرأة أليون، ومعها ابنها في حجرها من الملك الّذي توفى عنها، فطلبت الصلح من الرشيد على أن تدفع له سبعين ألف دينار في كل سنة، فقبل ذلك منها، وذلك بعد ما قتل من الروم في الوقائع أربعة وخمسين ألفا وأسر من الذراري خمسة آلاف رأس وستمائة وأربعة وأربعين رأسا، وقتل من الأسرى ألفى قتيل صبرا، وغنم من الدواب أدواتها عشرين ألف فرس، وذبح من البقر والغنم مائة ألف رأس. وبيع البرذون بدرهم والبغل بأقل من عشرة دراهم، والدرع بأقل من درهم وعشرون سيفا بدرهم. فقال في ذلك مروان بن أبى حفصة:
أطفت بقسطنطينية الروم مسندا … إليها القنا حتى اكتسى الذل سورها
وما رمتها حتى أتتك ملوكها … بجزيتها والحرب تغلي قدورها
وحج بالناس صالح بن أبى جعفر المنصور، وفيها توفى سليمان بن المغيرة، وعبد الله بن العلاء ابن دبر، وعبد الرحمن بن نائب بن ثوبان. ووهب بن خالد.
[ثم دخلت سنة ست وستين ومائة]
في المحرم منها قدم الرشيد من بلاد الروم فدخل بغداد في أبهة عظيمة ومعه الروم يحملون الجزية من الذهب وغيره. وفيها أخذ المهدي البيعة لولده هارون من بعد موسى الهادي، ولقب بالرشيد.
وفيها سخط المهدي على يعقوب بن داود وكان قد حظي عنده حتى استوزره وارتفعت منزلته في الوزارة حتى فوض إليه جميع أمر الخلافة، وفي ذلك يقول بشار بن برد: -
بنى أمية هبوا طال نومكم … إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فاطلبوا … خليفة الله بين الخمر (١) والعود