بحاله من لدن سنة أربع عشرة إلى هذه السنة، فعزم الوليد على أخذ بقية الكنيسة منهم وعوضهم عنها كنيسة مريم لدخولها في جانب السيف، وقيل عوضهم عنها كنيسة توما، وهدم بقية هذه الكنيسة وأضافها إلى مسجد الصحابة، وجعل الجميع مسجدا واحدا على هيئة بديعة لا يعرف كثير من الناس أو أكثرهم لها نظيرا في البنيان والزينات والآثار والعمارات، والله سبحانه أعلم.
[ثم دخلت سنة سبع وثمانين]
ففيها عزل الوليد بن عبد الملك هشام بن إسماعيل عن إمرة المدينة وولى عليها ابن عمه وزوج أخته فاطمة بنت عبد الملك عمر بن عبد العزيز، فدخلها على ثلاثين بعيرا في ربيع الأول منها، فنزل دار مروان وجاء الناس للسلام عليه، وعمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة، فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة وهم عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت. فدخلوا عليه فجلسوا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: إني إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فان رأيتم أحدا يتعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرّج على من بلغه ذلك إلا أبلغنى. فخرجوا من عنده يجزونه خيرا، وافترقوا على ذلك. وكتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز بأن يوقف هشام بن إسماعيل للناس عند دار مروان - وكان يسيء الرأى فيه - لأنه أساء إلى أهل المدينة في مدة ولايته عليهم، وكانت نحوا من أربع سنين، ولا سيما إلى سعيد بن المسيب وعلى بن الحسين. قال سعيد بن المسيب لابنه ومواليه: لا يعرض منكم أحد لهذا الرجل فىّ، تركت ذلك لله وللرحم. وأما كلامه فلا أكلمه أبدا، وأما على بن الحسين فإنه مر به وهو موقوف فلم يتعرض له وكان قد تقدم إلى خاصته أن لا يعرض أحد منهم له، فلما اجتاز به وتجاوزه ناداه هشام الله يعلم حيث يجعل رسالاته وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم فقتل منهم خلقا كثيرا، وفتح حصونا كثيرة وغنم غنائم جمة، ويقال إن الّذي غزا بلاد الروم في هذه السنة هشام بن عبد الملك ففتح حصن بولق، وحصن الأخرم، وبحيرة الفرمسان، وحصن بولس، وقميقم، وقتل من المستعربة نحوا من ألف وسبى ذراريهم. وفيها غزا قتيبة بن مسلم بلاد الترك وصالحه ملكهم نيزك على مال جزيل، وعلى أن يطلق كل من ببلاده من أسارى المسلمين، وفيها غزا قتيبة بيكند فاجتمع له من الأتراك عندها بشر كثير وجم غفير، وهي من أعمال بخارى، فلما نزل بأرضهم استنجدوا عليه بأهل الصغد ومن