للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالصمصامية التي جددت للمالكية وقد وقف عليها الصاحب شمس الدين غبريال درسا، ودرس بها فقهاء، وعين تدريسها لنائب الحكم الفقيه نور الدين على بن عبد البصير المالكي، وحضر عنده القضاة والأعيان، وممن حضر عنده الشيخ تقى الدين بن تيمية، وكان يعرفه من اسكندرية، وفيه درس بالدخوارية الشيخ جمال الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد الكحال، ورتب في رياسة الطب عوضا عن أمين الدين سليمان الطبيب، بمرسوم نائب السلطنة تنكز، واختاره لذلك.

واتفق أنه في هذا الشهر تجمع جماعة من التجار بماردين وانضاف إليهم خلق من الجفال من الغلا قاصدين بلاد الشام، حتى إذا كانوا بمرحلتين من رأس العين لحقهم ستون فارسا من التتار فمالوا عليهم بالنشاب وقتلوهم عن آخرهم، ولم يبق منهم سوى صبيانهم نحو سبعين صبيا، فقالوا من يقتل هؤلاء؟ فقال واحد منهم: أنا بشرط أن تنفلونى بمال من الغنيمة، فقتلهم كلهم عن آخرهم، وكان جملة من قتل من التجار ستمائة، ومن الجفلان ثلاثمائة من المسلمين، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. وردموا بهم خمس صهاريج هناك حتى امتلأت بهم ، ولم يسلم من الجميع سوى رجل واحد تركمانيّ، هرب وجاء إلى رأس العين فأخبر الناس بما رأى وشاهد من هذا الأمر الفظيع المؤلم الوجيع، فاجتهد متسلم ديار بكر سوياى في طلب أولئك التتر حتى أهلكهم عن آخرهم، ولم يبق منهم سوى رجلين، لا جمع الله بهم شملا ولا بهم مرحبا ولا أهلا، آمين يا رب العالمين.

[صفة خروج المهدي الضال بأرض جبلة]

وفي هذه السنة خرجت النصيرية عن الطاعة وكان من بينهم رجل سموه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، وتارة يدعى على بن أبى طالب فاطر السموات والأرض، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وتارة يدعى أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد، وخرج يكفر المسلمين، وأن النصيرية على الحق، واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيرية الضلال، وعين لكل إنسان منهم تقدمة ألف، وبلادا كثيرة ونيابات، وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها وقتلوا خلقا من أهلها، وخرجوا منها يقولون لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان. وسبوا الشيخين، وصاح أهل البلد وا إسلاماه، وا سلطاناه، وا أميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله ﷿، فجمع هذا الضال تلك الأموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبحهم الله أجمعين.

وقال لهم لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة، ولو لم يبق معى سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها. ونادى في تلك البلاد إن المقاسمة بالعشر لا غير ليرغب فيه، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي، الّذي يحيى ويميت حتى يحقن دمك، ويكتب لك فرمان، وتجهزوا وعملوا أمرا عظيما جدا، فجردت إليهم العساكر

<<  <  ج: ص:  >  >>