أخر، قدم بها من الديار المصرية، فانتشر الخبر في هذا اليوم باجلاس قاضى القضاة شمس الدين الكفري الحنفي، فوق قاضى القضاة المالكية، لكن لم يحضر في هذا اليوم، وذلك بعد ما قد أمر باجلاس المالكي فوقه.
وفي ثانى رجب توفى القاضي الامام العالم شمس الدين بن مفلح المقدسي الحنبلي، نائب مشيخة قاضى القضاة جمال الدين يوسف بن محمد المقدسي الحنبلي، وزوج ابنته، وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث، وكان بارعا فاضلا متفننا في علوم كثيرة، ولا سيما علم الفروع، كان غاية في نقل مذهب الامام أحمد، وجمع مصنفات كثيرة منها كتاب المقنع نحوا من ثلاثين مجلدا كما أخبرنى بذلك عنه قاضى القضاة جمال الدين، وعلق على محفوظة أحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية مجلدين، وله غير ذلك من الفوائد والتعليقات ﵀، توفى عن نحو خمسين سنة، وصلى عليه بعد الظهر من يوم الخميس ثانى الشهر بالجامع المظفري، ودفن بمقبرة الشيخ الموفق، وكانت له جنازة حافلة حضرها القضاة كلهم، وخلق من الأعيان ﵀ وأكرم مثواه.
وفي صبيحة يوم السبت رابع رجب ضرب نائب السلطنة جماعة من أهل قبر عاتكة أساءوا الأدب على النائب ومماليكه، بسبب جامع للخطبة جدد بناحيتهم، فأراد بعض الفقراء أن يأخذ ذلك الجامع ويجعله زاوية للرقاصين، فحكم القاضي الحنبلي بجعله جامعا قد نصب فيه منبر، وقد قدم شيخ الفقراء على يديه مرسوم شريف بتسليمه إليه، فأنفت أنفس أهل تلك الناحية من عوده زاوية بعد ما كان جامعا، وأعظموا ذلك، فتكلم بعضهم بكلام سيئ، فاستحضر نائب السلطنة طائفة منهم وضربهم بالمقارع بين يديه، ونودي عليهم في البلد، فأراد بعض العامة إنكارا لذلك، وحدد ميعاد حديث يقرأ بعد المغرب تحت قبة النسر على الكرسي الّذي يقرأ عليه المصحف، رتبه أحد أولاد القاضي عماد الدين بن الشيرازي، وحدث فيه الشيخ عماد الدين بن السراج، واجتمع عنده خلق كثير وجم غفير، وقرأ في السيرة النبويّة من خطى، وذلك في العشر الأول من هذا الشهر.
[أعجوبة من العجائب]
وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها، في فنون أخر، فلما كان يوم الأربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الأموي بالحائط الشمالي منه، عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه، من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي، فأدى جيدا، غير أنه يصحف بعضا من الكلمات لعجم فيه، وربما لحن أيضا في بعض الأحيان، واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين، فأعجب ذلك جماعة كثيرين، وقال آخرون منهم إن سرد بقية