في صبيحة يوم الاثنين الثاني عشر من المحرم قدم موسى بن بغا الكبير إلى سامرا فدخلها في جيش هائل قد عباه ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين، فأتوا دار الخلافة التي فيها المهتدي جالسا لكشف المظالم فاستأذنوا عليه فأبطأ الأذن ساعة، وتأخر عنهم فظنوا في أنفسهم أن الخليفة إنما طلبهم خديعة منه ليسلط عليهم صالح بن وصيف، فدخلوا عليه هجما فجعلوا يراطنونهم بالتركي ثم عزموا فأقاموه من مجلسه وانتهبوا ما كان فيه، ثم أخذوه مهانا إلى دار أخرى فجعل يقول لموسى بن بغا: مالك ويحك؟ إني إنما أرسلت إليك لأتقوى بك على صالح بن وصيف. فقال له موسى:
لا بأس عليك احلف لي أنك لا تريد بى خلاف ما أظهرت. فحلف له المهتدي فطابت الأنفس وبايعوه بيعة ثانية مشافهة وأخذوا عليه العهود والمواثيق أن لا يمالئ صالحا عليهم، واصطلحوا على ذلك. ثم بعثوا إلى صالح بن وصيف ليحضرهم للمناظرة في أمر المعتز ومن قتله صالح بن وصيف من الكتاب وغيرهم، فوعدهم أن يأتيهم، ثم اجتمع بجماعة من الأمراء من أصحابه وأخذ يتأهب لجمع الجيوش عليهم، ثم اختفى من ليلته لا يدرى أحد أين ذهب في تلك الساعة، فبعثوا المنادية تنادى عليه في أرجاء البلد وتهددوا من أخفاه فلم يزل مختفيا إلى آخر صفر على ما سنذكر، ورد سليمان بن عبد الله بن طاهر إلى نيابة بغداد، وسلم الوزير عبد الله بن محمد بن يزداد إلى الحسن بن مخلد الّذي كان أراد صالح بن وصيف قتله مع ذينك الرجلين، فبقي في السجن حتى رجع إلى الوزارة.
ولما أبطأ خبر صالح بن وصيف على موسى بن بغا وأصحابه قال بعضهم لبعض: اخلعوا هذا الرجل - يعنى - الخليفة - فقال بعضهم: أتقتلون رجلا صوّاما قواما لا يشرب الخمر ولا يأتى الفواحش؟ والله إن هذا ليس كغيره من الخلفاء ولا تطاوعكم الناس عليه. وبلغ ذلك الخليفة فخرج إلى الناس وهو متقلد سيفا فجلس على السرير واستدعى بموسى بن بغا وأصحابه فقال: قد بلغني ما تمالأتم عليه من أمرى، وإني والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت أخى بولدي، وهذا سيفي، والله لأضربن به ما استمسك قائمة بيدي، والله لئن سقط من شعرى شعرة ليهلكن بدلها منكم، أو ليذهبن بها أكثركم، أما دين؟ أما حياء؟ أما تستحيون؟ كم يكون هذا الاقدام على الخلفاء والجرأة على الله ﷿ وأنتم لا تبصرون؟ سواء عندكم من قصد الإبقاء عليكم والسيرة الصالحة فيكم، ومن كان يدعو بأرطال الشراب المسكر فيشربها بين أظهركم وأنتم لا تنكرون ذلك، ثم يستأثر بالأموال عنكم وعن الضعفاء، هذا منزلي فاذهبوا فانظروا فيه وفي منازل إخوتي ومن يتصل بى هل ترون فيها من آلات الخلافة شيئا، أو من فرشها أو غير ذلك؟ وإنما في بيوتنا ما في بيوت آحاد الناس، ويقولون إني أعلم علم صالح بن وصيف، وهل هو إلا واحد منكم؟ فاذهبوا فاعلموا